الأزمة في كردفان تتناسل من رحم واحد هو رحم المؤتمر الوطني؛ فما أن طُويت صفحة حركة العدل والمساواة قطاع كردفان، حتى برزت في الرصيف الآخر صراعات بين بعض أبناء الأقليم وتمددت لتشمل قادة المؤتمر الوطني في الولاية (أبو كلابيش، أحمد وادي، حاج ماجد سوار)، وهى مواجهة استدعت فتح النيران وتبادل الاتهامات على طريقة (خلُّوها مستورة)، وما أن وقّعت الحكومة اتفاق سلام مع حركة العدل والمساواة قطاع كردفان حتى طفت على السطح أصوات قادحة في الاتفاق باعتباره صنع من بعض الشباب (أبطالاً) وسرّب الشفرات الخفية لفتح جبهات جديدة في الإقليم، لاسيما وأن الدعاية المضادة حول قائد الحركة أحمد وادي تتحدث عن أنه ترك الإقليم غاضباً بخصوص قضية ديوان الزكاة والبلاغ الذي صدر ضده عندما كان رئيساً للمجلس التشريعي في الولاية، وإصرار والي شمال كردفان السابق محمد طاهر أبوكلابيش على استرداد المبلغ أو الفصل القانوني فيه، وهذا ما أغضب أحمد وادي وجعله يتمرد للمرة الثانية، وتقاطعت الرؤى بخصوص القضية بين حاج ماجد سوار وأبوكلابيش. تعود تفاصيل الأزمة بين أمين التعبئة بالمؤتمر الوطني حاج ماجد سوار ووالى شمال كردفان السابق محمد طاهر أبوكلابيش إلى خلفية حديث سوار في الحفل الذي نُظّم على شرف عودة قيادات حركة العدل والمساواة، الذي أوضح فيه بأنهم ظلوا يرصدون كل التحركات والتفاعلات التى تعمل من أجل تهيئة كردفان للحرب، وقال: للتاريخ إنه ذات السيناريو الذي اُتبع في الضغط مع يوسف كوة وجعله يتمرد. وحمّل سوار أبوكلابيش مسؤولية الضغط على أحمد وادي حتى تمرد. وهى العبارة التى أغضبت أبوكلابيش وحوّلته إلى كاتب صحفي، فردّ بعد ثلاثة أيام بالقول إنه ما كان يريد الدخول في هذه المسرحية السخيفة، وأشار إلى أنه تسلّم ملفاً يخص وادي به اختلاسات من مال الزكاة، بحسب وصفه، وهرب وادي خارج السودان حتى قام المدعو حاج ماجد على حد تعبير أبوكلابيش بترحيله بعربات المؤتمر الوطني إلى قريته. واتهم سوار بأنه حاول سحب القضية بواسطة وزير العدل عبد الباسط سبدرات الذي رفض هذا الإجراء مما دفع وادي للهروب للمرة الثانية. ووصف أبوكلابيش حاج ماجد بأنه فقد وقاره الوظيفي بعلاقته مع أحمد وادي. ورداً على ذلك نفى أمين التعبئة السياسية بالمؤتمر الوطني حاج ماجد صحة الاتهامات، وقال في اتصال هاتفي ل(الأهرام اليوم) من شمال كردفان إنه لم يطالب بشطب أي بلاغ ضد أحمد وادي، مشيراً إلى أن اللجنة ذكرت أن الرجل يتحمّل المسؤولية الإدارية فقط، وأن المبلغ تم تسديده بدليل حصوله على شهادة بذلك من ديوان الزكاة، وأضاف أن البلاغ محفوظ عند النائب العام، إمّا أن يكون أحمد وادي نقض الاتفاق الذي أُبرم معه قبل أيام، فنفي حاج ماجد صحة ذلك، ويقول إنهم علقوا الحوار فقط، مشيراً إلى أنه على كافة المستويات العلاقة معهم جيدة بدليل وجودهم مع الحركة في أم روابة. ويضيف حاج ماجد أنه بالفعل ذهب مع وادي حتى حدود منطقته في كردفان وخاطب معه اللقاء الجماهيري، مردفاً أن الاتفاق مستمر معهم. وأكد حاج ماجد أنه لا يريد أن يدخل مع أبوكلابيش في مهاترات وتجريح كما فعل هو وإنما سيرد في الزمن المناسب، ووصف حديث أبوكلابيش بأنه غير موضوعي، مضيفاً أن مازال مصراً على حديثه في أنه عندما اتسع الخلاف بين أبوكلابيش وأحمد وادي تدخل وطالبهم بمعالجة الأزمة قبل اتساعها، وأضاف أنه اتصل بأبوكلابيش ونصحه باحتواء الأزمة التى أوضحت أن أحمد وادي كأنما دُفع للتمرد دفعاً، وقضية مال الزكاة و(الحديث لسوار) قضية قديمة تم استغلالها الآن ربما بسبب أن أحمد وادي وقف أمام الهيئة البرلمانية سابقاً واعترض على زيادة عدد المحليات في شمال كردفان لا سيما وأن الولاية عاجزة عن الدعم، وربما وجد أبوكلابيش هذا الاعتراض رفضاً للسياسة التى يتبعها. ونفى حاج ماجد أن يكون لديه موقف حول استبعاد أبوكلابيش من التمثيل في الانتخابات، ويرد بأنه لم يكن أساساً في اللجنة التى اختارت مُرشّح المؤتمر الوطني لمنصب الوالي التى استبعدت أبوكلابيش وآخرين. ويضيف حاج ماجد أن لديهم معلومات مؤكدة أن أبوكلابيش الآن يدعم مُرشّحاً آخر غير مُرشّح المؤتمر الوطني. من جانبها أكدت مصادر (الأهرام اليوم) أن أبوكلابيش يتبني دعم مُرشّح الاتحادي الديمقراطي لمنصب والي كردفان ميرغني عبد الرحمن بالرغم من أنه رئيس القائمة النسبية في المؤتمر الوطني. وتضيف المصادر أن ذلك الموقف يعلمه الكثيرون في الولاية. وإلى ذلك لم يستبعد حاج ماجد أن تظهر حركة تمرد أخرى في كردفان، ويضيف أنه طالما كان الهدف هو أن ينتقل الصراع إلى كردفان فالذي يبحث عن تحقيق هذا الهدف لن يعجز عن أن يجد مغامراً ولو كان واحداً يشعل فتيل الحرب في كردفان بأية صورة من الصور. وبذلك فإن الأزمة بين حاج ماجد وأبوكلابيش في طريقها للتصاعد، والنيران التى اشتعلت منذ فترة في الإقليم مازالت تبحث عن من يغذّيها، وربما تدخلت أطراف جديدة هى في الأصل عناصر اختارت التماهي مع مطالب الإقليم.