جنباً إلى جنب، مع إمتحانات آخر السنة المدرسية، ارتبط شهر مارس بحوادث مارس 1954م وقد أفضنا في الكتابة الموسمية عنها وفي بعض المواسم كنا نهتدي إلى استنتاجات جديدة. لقد كان من المقرر أن يُفتتح البرلمان في أول مارس 1954م بعد أن إكتسح الحزب الوطني الإتحادي الإنتخابات العامة التي أُجريت في نوفمبر 53 وشكّل الحكومة برئاسة الزعيم إسماعيل الأزهري وجاء حزب الأمة في المركز الثاني بفارق كبير في عدد المقاعد بينه وبين الأول. ووُجهت الدعوة لحضور إفتتاح البرلمان للرئيس المصري اللواء محمد نجيب، وحضر بالفعل أول مارس ثم نشب القتال في شوارع العاصمة بين الأنصار وقوات الشرطة وقطع نجيب زيارته. وحوكم من قادة الأنصار عوض صالح بالإعدام وعبد الله عبد الرحمن نقد الله بالسجن أربع سنوات، ولم تفكر الحكومة قط في اعتقال إمام الأنصار السيد عبد الرحمن المهدي وابنه رئيس حزب الأمة السيد الصديق، ويرى البعض أن ذلك كان يمثل منتهى الحكمة من جانب حكومة الأزهري. ولم يتعرض أئمة الأنصار ورؤساء حزب الأمة للإعتقال إلا فيما بعد. ولقد انتقدنا تلك الحوادث، لكن النظر إليها من زاوية أخرى يفضي إلى اعتبارها أحد أهم العوامل التي غيّرت مسار الإتحاديين من الإتحاد مع مصر إلى إعلان الإستقلال من داخل البرلمان. وكان اللواء نجيب رمزاً لمصر في بؤرة الضوء ذلك النهار الدامي. وفي نفس السنة أُطيح به ووضع في الإقامة الجبرية حتى أفرج عنه الرئيس السادات أول السبعينيات. وخلال الإعتقال عُومل أسوأ معاملة يمكن أن يلقاها رئيس وكانت هذه الحقيقة صفحة مظلمة في تاريخ الرئيس جمال عبد الناصر. والرئيس نجيب من مواليد الخرطوم عام 1901م أي بعد ثلاثة أعوام فقط من احتلال السودان وإقامة الحكم الثنائي، وتلقى تعليمه هنا في السودان الذي كان يحبه حباً صادقاً، وكان أهله يبادلونه نفس الحب.. وأكثر. وعندما أُبعد من الحكم في نوفمبر 1954م حزن (أهله) في السودان ونظم شاعرهم الكبير الأستاذ أحمد محمد صالح عضو مجلس السيادة قصيدة شهيرة مطلعها: ما كنت غدّاراً ولا خوّانا كلا ولم تكُ يا نجيبُ جبانا وكان واضحاً أن إعتقال نجيب وإبعاده من الحكم سبباً آخر غيّر مسار الإتحاديين من الإتحاد مع مصر إلى إعلان الإستقلال.. رحم الله اللواء نجيب الذي مات عام 1983م، ورحم الله آباء الإستقلال.