اعتدنا في كل مارس أن نكتب عن واقعتين هما حوادث مارس 1954م وحوادث مارس 1970م.. وكان القاسم المشترك هو جماهير الأنصار وقيادتهم وقد كتب وقيل الكثير عن ما جرى في مارس 54م ومارس 1970م ورغم ذلك فإن الكتابة عن المارسين لا تمل فما جرى فيهما قطعة من تاريخنا الحديث. وتأكد من فترة أن خروج جماهير الأنصار إلى الشارع في مارس 1954م يوم زيارة الرئيس المصري اللواء أركان حرب محمد نجيب للسودان لحضور افتتاح البرلمان وهتافاتهم المدوية باستقلال السودان وبأن السودان للسودانيين كان لها أثرها الواضح في تغيير مسار الحركة الاتحادية التي اكتسحت الانتخابات التشريعية في نوفمبر 1953 من الاتحاد أو الوحدة مع مصر إلى إعلان الاستقلال من داخل البرلمان. وقد حزن المواطنون على الدماء التي سالت في شوارع الخرطوم عند زيارة اللواء نجيب للخرطوم وقد قطعها بعد ساعات وعاد إلى بلاده مقتنعاً أكثر وأكثر بضرورة قبول مصر باستقلال السودان.. ثم نحي اللواء نجيب من الرئاسة في نوفمبر من ذلك العام.. أي عام 1954م وحل مكانه المقدم جمال عبد الناصر الذي اقتنع هو أيضا بأن وحدة السودان ومصر في تلك الظروف مستحيلة فوقفت مصر مع استقلال السودان وكانت أول دولة تعترف به وقال رئيسها (إن السودان المستقل هو خير سند لمصر المستقلة ومصر المستقلة هي خير سند للسودان المستقل). وفي مارس الآخر أي مارس 70 حدثت مواجهة دامية بين جماهير الأنصار والنظام المايوي وهي كما قلنا مرارا مواجهة مؤسفة فالحكومة التي كانت قائمة حكومة وطنية وصحيح أنها نتجت عن انقلاب عسكري لكن الانقلابات العسكرية كان لها في ذلك الوقت شرعيتها وكان الجميع في كل العالم بما في ذلك الدول الديمقراطية يعترفون بها ويتعاملون معها.. وكانت الحكومة السودانية في ذلك الوقت من أول سبعينيات القرن الماضي حققت شعبية جارفة وما أكثر أدلة تلك الشعبية ومنها موكب 2 يونيو 69 بعد أسبوع من قيام الانقلاب العسكري الذي قاده العقيد أركان حرب جعفر محمد نميري.. لقد كان موكباً ضخماً مهيباًَ وكان ممن اشتركوا فيه المطرب الكبير محمد وردي.. وأدلة أخرى كثيرة تؤكد أن النظام المايوي كان أول السبعينيات يتمتع بتأييد شعبي واسع. وفي نفس الوقت كان للأنصار ثقلهم الجماهيري ومكانتهم التاريخية وكانوا هم حزب الحركة الوطنية في القرن التاسع عشر. لقد كان المأمول ألا يحدث ذلك الصدام الدموي بين النظام المايوي والأنصار في مارس 1970م لكنه حدث.. وقبله وبعده جرت محاولات لإقامة علاقة ما بين الطرفين لكن هذه المحاولات فشلت وما كان لها أن تفشل خاصة بعد إقصاء الشيوعيين من الحكم. ثم نعود للصدام أو المواجهة المسلحة التي حدثت بين النظام المايوي والأنصار التي انتهت بانتصار المايويين ونقول إن النظر إليها يجب أن يكون موضوعياً وعنده فإننا يجب ألا نغفل قيمة مهمة اسمها الأمانة التاريخية!