بالكتابة الكثيرة عن كوستي، فإننا لا نؤسس لجهوية أخرى. فقد شبع الوطن من الجهويات.. وحُب المدن يصب في النهاية في الحُب الكبير الذي هو السودان والعمل على تطويرها والارتقاء بها، هما تطوير وارتقاء بكل البلد. وكل المدن الكبيرة هي في واقع الأمر (سودانات) مصغرة. الأسبوع الماضي عرفت من أحمد عبد الوهاب عبد الكريم العائد من مهجره في هولندا أن شاغله الأساسي الآن هو كوستي ولديه بعض الأفكار والمقترحات ورغبة في العمل لأجل إقالة كوستي ممّا هي فيه من تردٍ في كافة مجالات الحياة.. وهي رغبة يُشكر عليها رغم أنه كما يقولون لا شكر على واجب.. والأنسب هو أن يُنسِّق السيد أحمد جهوده مع جهود الآخرين وفي مقدمتهم منظمة تنمية كوستي التي أقامت قبل أسبوعين ورشة عمل (مياه كوستي في دائرة الضوء) وهي الورشة التي شهدت تبرع المهندس المصري يسري أحمد فاضل بمبلغ خمسمائة مليون جنيه لصالح مشروع تنقية المياه بالمدينة الجميلة. وقد أثار هذا التبرع تقدير أحمد عبد الوهاب وآذاه في نفس الوقت ألا يتبرع بمثله أحد أبناء كوستي أو مجموعة منهم. وفعلاً.. أين وجهاء كوستي ووجهاؤها المنتشرون في سائر أرجاء الدنيا؟.. وفي كوستي نفسها؟!. وأحمد عبد الوهاب (كوستاوي) من الجهتين.. وأهله عن جهتي الأم والأب أيضاً من الآباء المؤسسين لمدينة كوستي.. ولنا وقفة قصيرة مع مصطلح الآباء المؤسسين.. فهم لا يقتصرون كما يتصور البعض على أولئك الأغنياء الذين شيّدوا المدارس والمساجد والخلاوى والمراكز الصحية..الخ، لكنه يشمل كل الذين قدموا إلى المدينة الناشئة مطالع القرن الماضي أو في السنوات القليلة التي تلت تشييد الكبري القديم ومد خط السكة الحديد من سنار إلى الأبيض مروراً بكوستي. وكان ذلك في نهاية العقد الأول من القرن العشرين.. لقد جاءوا إليها تاركين وراءهم مواطنهم الأصلية.. فمشوا في مناكبها كادحين حالمين طامحين واستطاعوا أن يخلقوا منها بوجودهم المنتج المتصالح المتآخي المحب للحياة المتمسك بأهداب الدين مدينة جاذبة. وبلغت جاذبيتها شأواً عظيماً.. جعل الأستاذ شدو رحمه الله أن يقول في لقاء إذاعي معه: إن أجمل أيام حياته تلك التي أمضاها في كوستي وهي شهادة لها وزنها وقيمتها، فالقاضي الشهير من ودمدني.. وما أدراك ما ودمدني، ثم أنه سافر كثيراً داخل وخارج السودان وكان قد عمل قاضياً بكوستي أوائل الستينيات.