وهذا هو رأيي الخاص فيما يخص أمر التلفزيون القومي السوداني او القناة الفضائية السودانية او الناقل الرسمي لإعلام السودان أو ما شئتم تسميته.. ففي حين أنه مازال هناك فاصل زمني كبير يحسب بالسنوات حتى يحين موعد اليوبيل الذهبي لتلفزيون السودان. فقد قرر السيد (محمد حاتم سليمان) اللحاق بحمى الحملات الانتخابية وحالات الهيجان العاطفي الإعلامي ونزل مرشحا لدائرة التلفزيون مرة أخرى! يقابل الهيئات والاتحادات والفئات والأفراد ويعد ويتوعد ويحلم بقناة كبيرة لا ينافسها في الفضاء الواسع الا مجرات ( درب التبانة)! يعني بالسوداني الفصيح (ما سائلين في قناة تانية!) وفي خضم هذا الزخم الإعلامي - وهي من لغة مذيعي التلفزيون القومي- تمتلئ ردهات التلفزيون القومي بحوالى (758 ) موظف رسمي أو متعاون أو متعاقد خارجي او محتمل الخ...بتنوع وظيفي لا يوجد الا داخل (الحوش التالت) بداية من موظفي الاستقبال وما أدراك ما هم !وحتى مدراء الأستديوهات وما أدراك كم هم! ناهيك عن المعرفين تحت وظيفة مذيع أو مذيعة ومخرج وباحث وهو تصنيف حديثُ عهدٍ بتلفزيون السودان. لا ينكر أحد الثورة الكبيرة التي قام بها الأستاذ (محمد حاتم) في مجال ترقية بيئة العمل داخل الجهاز القومي وتوفير المعينات وازالة المعوقات التي تحد من انتاج برامج جيدة وترقى لمستوى الأجهزة الداخلة اليه . ولا ينكر أحد تغيير الوجوه الثابتة في مجال المنوعات في برامج التلفزيون وازاحة النظرة (المحوصة) للمذيع السوداني حين قراءته المباشرة للأخبار ! ولن ننكر الجهد التصميمي (لتترات) البرامج بشكل جميل ومغاير عن حمامة التلفزيون القومي (الراكة) في كل برنامج وطني! ولن نتجاهل محاولاته الإرضائية للمشاهد عبر برامجه المقلدة (مراسي الشوق)، (استديو النجوم)، (بيتنا)، (جنة العصافير) الخ....وبغض النظر عن خلو إعدادها من الذكاء الإعلامي الذي يقفز بك فوق ذاكرتك التي تذكرك بأنه برنامج معاد! لكن وبعد كل هذا الرهق بالكاد سيقف الريموت كنترول لثوان في حضرة التلفزيون القومي قبل أن يتحول الى قناة مرفهة أجمل أو قناة أخبارية طازجة اسرع.. إن إعادة تعيينه مرة أخرى، لدواع سياسية أو إرضائية لا يهم، تتيح للسيد (محمد حاتم ) أن يراجع مرجعيته الإدارية في إدارة برمجة الجهاز القومي الذي يعكس بزاوية حادة ومنفرجة وجه السودان (المشرق أو المظلم!) وألاّ يتعامل مع إعلام وطن بأكمله تعامله مع إعلام مؤسسة وطنية أو سياسية كالدفاع الشعبي الزمان. فالتصريحات العاطفية المفرطة في الأحلام والتي تزول بزوال المؤثر والأثر والدوي الإعلامي للزيارات واللقاءات الثنائية مع جهات أعمال لا تجدي أبدا في صناعة الإعلام بشكله المؤسس والمحترف . رغم ان التنافس المحلي في مجال صناعة الإعلام ضعيف في وجود قناتين سودانيتين خاصتين - لا تحسب قناة زول لأنها تصنّف مع القنوات فاقدة الهوية! - هما (النيل الأزرق) مع تبعيتها النظامية لسلسلة الهيئة القومية و(الشروق) والأخيرة حققت نسبا عالية للمشاهدة الإخبارية والرياضية .. مع ذلك فإن التلفزيون القومي مواجه بتحديات اكبر من الكلام في اللقاءات وأكثر من مجرد مبان وأجهزة. والدليل الشاهد هو خروج الدراما السودانية من خارطة برامجه لأسباب ساذجة في ذكرها - لا ترقى لمستواكم العقلي الرفيع - كما أنه لا يمكن أن يحصل التلفزيون القومي على حصرية نقل حدث مباشر حتى وإن كان الحدث حديث المجتمع الدولي أجمع! والأمثلة ممتلئة حد البدانة الإنتقادية للسياسة الإعلامية في الجهاز القومي .فاذا كان مرور خمسين عاما سيمثل نقلة نوعية منذ الآن على شكل الوجود الإعلامي للسيد مدير التلفزيون فأنه بلا شك سيكون مجرد عام آخر يمر على ذات الكثافة السكانية التلفزيونية وعلى نفس المناهج البرامجية المنفذّة بحذافير الرتابة التعليمية, ولن يستفد من السنوات التي مرت منذ عهد أبيض وأسود إنشاء التلفزيون الى عهد ألوان نظامه الرقمي الحديث، سوى خبرة موظفيه القدامى منذ أول سنة والمتكررة لخمسين سنة لم نرض فيها كلنا...!