لم يفت على الأمين العام للمؤتمر الشعبي، الدكتور حسن الترابي، أن يستلهم من معانى القرآن الكريم وسيرة الصحابة معلِّماً لنُظم الانتخابات، وهو يخاطب آلاف الحضور فى ندوتين منفصلتين بميدان المولد بالخرطوم والرابطة بشمبات، كما أن «إمام الحُريّات» كما يطلق عليه أنصاره لايمل من ضرب المثل بالإمام فى الصلاة نموذجاً لاختيار رئيس الجمهورية ووالي الولاية، ويفاخر بأن المسلمين يعرفون الشورى ومدلاولات الاختيار من خلال عرض البرنامج الانتخابي للخليفة القادم منهم قبل 1400 عام من الهجرة النبوية. ويستخدم الترابي فى خطابه السياسي عبارات الإيمان التي تحرِّك النفوس امتثالاً لله سبحانه وتعالى، فهو فى ندوة ميدان المولد يقول منذ اعتلائه للمنصة: «مبتدأ الكلام والأقوال ومبتدأ الفِعال هو ذكر الله سبحانه وتعالى، وذِكر راحم بالغ الرحمة، وهو رحمان كثير الرحمة، تتنزل علينا عيناً عيناً، فهو رحيم، نحمده ولانملك أن نشكر محامده ونعماه علينا فى الحياة أصلاً، كل مُسخَّرات الحياة من حولنا آيات تدل إليه عبر عالم الشهادة، وهى نعماء مسخَّرة لنا، وتنزلت علينا آيات كذلك من التنزيل هداية لنا فى عالم الشهادة حتى نسلك عالم الشهادة وعالم الغيب، وحتى يصلح زماننا وأزلنا وأولانا وأُخرانا، ونصلي ونسلم هدايةً ورحمةً، ونحن كذلك نصلي ونسلم على أنبيائه الذين بلَّغونا دعوته وكانوا لنا أسوة وقدوة، ونحن نصلي عليهم بأن نقلِّدهم إن شاء الله ونفعل كما يفعلون. أما بعد، فالخطاب إليكم إخواني الحاضرين، إن سلام الله عليكم كلمة لانجريها أصلاً لغواً كما تجري التحيات، ما أحوجكم للسلام في هذا البلد الذي اشتدّ فيه الخصام والصدام واحتدمت كلها حروباً أهلية كما تعلمون، أسال الله أن ينزل على هذا الوطن السلام، وأسأل الله أن ينزل عليكم الرحمة كذلك، والآن مظاهر الشقاء والفقر كادت تحيط بالسواد الأعظم منكم، وأسأل الله لكم ذلك السلام وتلك الرحمة، وأن يبارك السلام عليكم ليكون اطمئناناً، وأن تتبارك الرحمة لتكون سعداً إن شاء الله». ومضى الترابي من بعد هذه المقدمة - التي وضع بها المعالم العامة لخطابه الإيماني مربوطاً بواقع البلاد السياسي - يحدِّث الحاضرين عن الحال ومآلاته. ويلاحظ المراقب أن افتتاحية الدكتور الترابي فى كل ندواته السياسية تصير منهجاً لخطابه الذى يريد أن يوصله للمستمعين باعتماده على أسلوب طرح المشكلة وتشخصيها، ثم وضع حلول قد لا تتفق معه فيها بالطبع قيادات المؤتمر الوطني التى تسارع للرد على كلماته فى اليوم التالي عندما تخرج بها الصحف. وفى ميدان الرابطة بشمبات بالخرطوم بحري مساء يوم الإثنين الماضى قال الترابي: «إن السنَّة عندكم أن تبدأوا المقال والفِعال بذكر الله وأسمائه الحسنى، وأن تذكروا له المحامد السابغة التي أحاطكم بها نعمةً في الدنيا، وأن تذكروا كذلك أن الله أكبر قبل تلك الصلاة، حتى يكون ذلك المدخل للكلام لما يُراد من ذكر الله وأنتم تذكرون الصلاة. وأنا أتحدث مع إخواني في بحري، وتعلمون أن الله قدّر لي فى هذه البلاد أن أكون دائماً عابراً، أقمت فى بلدكم «بحري» أدناها وأعلاها، وفي البلد الذي يجاوركم «أمدرمان» أدناها وأعلاها، وفى الخرطوم أدناها وأعلاها ، وولدت فى السودان شرقه، ونشأت فى غربه وجنوبه وشماله، وسُجنت كذلك في شرقه وغربه ووسطه، والحمد لله. هذه البلدة «مدينة بحري» الطيِّبة، تحيط بنا المآذن، وفيكم أهل الدين من أمّة النصارى قبطاً، ومن أمّة الابراهيمية الرحمانية فى كل الأرض، ومنكم من ينتسب إلى الجيلان وإلى السمان وإلى المرغان، وكلهم أهل ذكر فى هذه الحياة، ولذلك أدخل إليكم كما تدخلون إلى ذكر الله الأكبر، إلى صلواتكم التى تبدونها، حتى لا نضل في الكلام، ولنتحرر من قيد الشيطان، ومما يغوينا ويلهينا به، وكذلك الصلاة نبدأها بالضوء، نستعيذ أولاً من الشيطان ونسمي الله سبحانه وتعالى ونتطهر، أيدينا وأرجلنا، قد تفتنُّ كثيراً فى حركة الحياة، ولكننا نريد أن نطهرها، وألستنا قد تنطق أحيانا ببعض القول لغواً وريبةً وكذباً، ونريد أن نتمضمض ونطهّرها كذلك، وبصائرنا قد تلحظ الحلال فتعرض عنه وتلحظ الحرام فتفتنُّ به، ونريد أن نغسل كذلك وجوهنا». من خلال هذه الافتتاحية التى تناول فيها الترابي أحد أهم شعائر الإسلام، وهي فريضة الصلاة، فإنه قد جعلها ركيزة أساسية فى خطابه السياسي عندما أكد أن المؤتمر الشعبي لا يرفض عودة قيادات المؤتمر الوطني إليه بعد أن يعلنوا التوبة لله ويغسلوا جوارحهم مما علق بها خلال حكم عشرين عاماً استلموا من خلالها مقاليد السلطة فى السودان، كما أن الترابي استخدم معاني إمامة الصلاة للتدليل على أن رئيس الجمهورية يأتى بطوع الناس واختيارهم، ويعزلوه عندما يخالف دستور الصلاة ولوائحها المعروفة، ويذكرونه وينصحونه إذا زاد أو نقص من ركعاتها وسجداتها المعلومة. وكما جاءت مقدمة الترابي فى ندواته السياسية فهو يختتمها بذكر الله، بعد أن يضع كلمات سياسية متفائلة بأن التغيير نحو الأفضل يمكن إذا رغبت الجماهير فى ذلك.