{ لست سياسياً ضليعاً، ولا علاقة لي بالصحافة أكثر من كوني قارئاً معتاداً ومتابعاً دقيقاً، وأعلم أن الأستاذ «الهندي عز الدين» قلمٌ لا يختلف عليه اثنان من حيث الجُرأة والتميُّز والموضوعية والصدق، ورغم أنني حريص على متابعة عموده الذي يتطابق اسماً على مسمى منذ سنوات وألاحقه في أية صحيفة حلّ بها وزانها، ممّا خوّل لي الاعتياد على حدّته ووضوحه وشجاعته في الحق والتعبير.. إلا أن فرائصي قد ارتعدت حقاً منذ أن طالعت عمود البارحة الذي جاء بعنوان «وقد أعذر من أنذر» ربما لأن الابن «الهندي» قد تجاوز فيه كل الخطوط الحمراء، وكأنّما ليس لديه ما يخاف عليه، ولا حتى على نفسه، ولا تعنيه ردود الفعل التي ستترتب على هذه الكلمات القذائف التي أطلقها بدقة وهو واثق من مرماه، مما يؤكد أنه لم يلقِ القول على عواهنه، وأن ما دفعه لهذا الحديث إنما هو ألم ووجع أحسب أنه قد جاءه من ذوي القربى الذين انقلبوا عليه وما راعوا حقّاً للعشرة أو الفضل أو المساندة، وذوو القربى هنا ليسوا سوى أهل المؤتمر الوطني.. للأسف. { لقد ظل الهندي عز الدين، ذلك الصحفي المثابر، يجنِّد قلمه لنصرة المؤتمر الوطني لما يقارب الخمسة عشر عاماً، أحسبها عُمر صولاته وجولاته في منابر الإعلام المقروء، بذلها لخدمة الدولة الحضارية ومشاريعها وأهدافها، ونحن جميعاً نعلم أنه كان دائماً واحداً من الناشطين في مؤازرة المؤتمر الوطني منذ بداياته المبكرة. { وحتى بعد أن قرّر الولوج إلى دنيا السياسة لأسباب أحسبها خالصة لوجه الله، إذ أن الرجل ليس في حاجة إلى جاه أو سلطان أو صيت، فهو صاحب اسم بارز يبزُّ كل الساسة المحترفين، وصاحب سمعة طيبة يشهد له بها الجميع، بالإضافة إلى أن وضعه المادي - بحساب السنوات التي قضاها كاتباً محترفاً - أعتقد أنه جيِّد، وقراره بالمبادرة بترشيح نفسه للإنابة عن سكان الدائرة (13) الثورة المحظوظين بالمجلس الوطني كان محاولةً منه للمزيد من العطاء وخدمة الوطن والمواطنين، ولم نسمع عن برنامجه الانتخابي أنه جاء مناهضاً لشعارات المؤتمر الوطني، ولا بدر منه ما يسيء لمجرد الإساءة، لهذا الحزب الكبير، بل إنه راح ينادي في أكثر من مناسبة بضرورة منح الأصوات للبشير، ابن البلد الأصيل، على حد قوله. { إذن .. ما هي الدوافع التي تسوق رجال المؤتمر الوطني باتجاه معاداة الهندي عز الدين للدرجة التي تُفقدهم المنطق فيتخبطون في كل الاتجاهات للحد من نجاحه المرتقب، حتى وإن كان ذلك عبر إرسال التهديدات للحرائر الطيبات اللائي آثرن الإدلاء بدلوهن في برنامجه الانتخابي للإصلاح والعدل والرفاهية والحرية! { وأيُّ مبلغ بلغناه في بلادنا حتى تردّى بنا الحال لممارسة «البلطجة» جهاراً نهاراً دون النظر لأوضاعنا الحساسة أو التفات لضمائرنا النائمة؟ هل انشغل رجال المؤتمر الوطني بالبحث عن الجاه والمتع الزائلة لدرجة أنستهم الخوف من الله والتصرف بحكمة وموضوعية ؟! { وكيف تسنى للمؤتمر الوطني مُمثلاً في بعض رجاله أن ينسوا أو يتناسوا ما قدّمه الهندي بفكره وقلمه ونشاطه الإسلامي؟ إنه لعمري جحودٌ ونكران. وبما أن الأمور قد بلغت هذا الحد من الأنانية والصلف فإنني أدعو الهندي بالمقابل للالتفات إلى مصالحه الشخصية في دنيا السياسة واستعمال ذات الأسلحة التي يستعملها خصومه، ما دامت في عرف القانون والأخلاق قد باتت أسلحة مشروعة. وعلى المؤتمر الوطني أن يعلم أن الهندي عز الدين لا يزال يمثِّل مكسباً للعديد من الأحزاب الأخرى، وربما فكَّر الدكتور الترابي أو السيِّد الصادق في الاستفادة منه، ولابد أنهم لم ييأسوا بعد من المحاولة ما دام هنالك وقت متاح قبل بدء الاقتراع، ومن الواضح أن «الهندي» سيفوز في الدائرة (13) الثورة حتى وإن كان ذلك بيد المعارضة أو غيرها، ما دام القائمون على الأمر لا يقدِّرون هذا الرجل وفائدته العظيمة معاً، الرجل الذي تقاعس المؤتمر الوطني عن مؤازرته يوم رحل عن صحيفة «آخر لحظة» وقرّر المغامرة بإنشاء صحيفة «الأهرام اليوم» التي دحضت كل الافتراءات التي قالت إنها مغامرة «خاسرة» بأن نجحت وتجاوزت كل الصحف دون معاونة من أحد، لا مادياً ولا معنوياً، خصوصاً رجال المؤتمر الوطني الأفذاذ. { أقول قولي هذا بتجرُّد، رغم أنني من أشد المعجبين به، ومتابع جيد للساحة السياسية، علماً بأنني بلا أي لون سياسي وسأنتخب «البشير» عن قناعة، فقط أرجو منهم في المؤتمر الوطني ماداموا لا يقدِّرون «الهندي» ولا يرعونه أن يتركوه على الأقل في حاله، وهذا أضعف الإيمان. { أقول قولي هذا آسفاً لا أقيم في دائرة الهندي الانتخابية ولا يمكنني مبايعته كما فعلت جماعة أنصار السنة بقيادة الشيخ الحكيم «أبو زيد»، وعاجزٌ عن معاونته في الفوز، ولا أبتغي منه جزاءً ولا شكوراً، ولكنه بعض امتناني له على أنه يترجم معاناتنا يومياً إلى شهادة لوجه الله في زمن الجحود ونكران الجميل الذي طال غالبية أهل بلادي، بمن فيهم القادة والسياسيون.. نسأل الله اللطف والرحمة. وشكراً ياسر حمدان صديق - معلم - الثورة