مع دخول الحملات الانتخابية مرحلة متقدمة في مضمار السباق الانتخابي برز عامل مفصلي في قلب الملعب السياسي في البلاد مع اقتراب التوقيع على اتفاق الدوحة للسلام في دارفور الذي تشير كل المؤشرات إلى انجازه يوم (الإثنين) المقبل، واستبقت حركة العدل والمساواة - كبرى الحركات المسلحة في الإقليم المضطرب - موعد التوقيع بإطلاق مطلوبات رأت أنها ضرورة لأزمة لتهيئة المناخ لعملية سلمية مستدامة، ليس في دارفور وإنما في كل أرجاء البلاد، وذلك بدعوتها إلى تأجيل الانتخابات وإعادة فتح السجل الانتخابي وتجميد الحملات الانتخابية إلى ما بعد اكتمال الترتيبات اللازمة لذلك، مما يعني أن تُرجأ العملية الانتخابية برمتها إلى ما بعد شهر نوفمبر المقبل لأن فصل الخريف على الأبواب وأي تأجيل يعني إرجاء الانتخابات إلى ما بعد الخريف الذي ينتهى عادة في نهاية فبراير. وعلى الرغم من الأحاديث الصادرة من قادة المؤتمر الوطني والحركة الشعبية التي تشدد على أن الانتخابات ستجرى في موعدها المقطوع في الحادي عشر من أبريل المقبل، إلى أن ما بين أسطر تلك الأحاديث ما يشي باحتمال التوصل إلى صيغة يتم بمقتضاها تأجيل الانتخابات، أو إجرائها على أجزاء، من نحو: المضي قدماً في الانتخابات الرئاسية، وإرجاء المستويات الأخرى إلى حين، أو إجراء انتخابات جزئية في بعض الولايات وتأجيل أخرى كما حدث في ولاية جنوب كردفان، أو ما إلى ذلك. وفي المحصلة فإن الانتخابات ككلتلة واحدة لم يعد إجراؤها ممكناً وفقاً للمعطيات الراهنة، وعليه فإن الهدوء الحذر الذي اعترى المشهد الانتخابي له ما يبرره، وفي ذلك فرصة ثمينة للقوى السياسية لإعادة صياغة مشروعاتها ونسج تحالفاتها والتوافق على برامج الحد الأدنى، وما إلى ذلك من ترتيبات استباقية لم تكن القوى السياسية مهيئة لها قبل إطلاق الحملات في منتصف فبراير الماضي، واعتبار المرحلة الماضية تمرينا ديمقراطيا ابتدائيا يكشف إمكانات وقدرات القوى السياسية ويعطي صورة أولية لمستقبل العملية الديمقراطية. وتشير الخلاصة إلى أن مسألة تأجيل الانتخابات أو إجراؤها جزئياً أضحت أمراً واقعاً، وعليه تتطلب المسؤولية الاخلاقية والوطنية للقوى السياسية التوافق على برامج للحد الأدنى، وتهيئة المناح الملائم لإطلاق عملية انتخابية نزيهة وشفافة تسهم بنجاعة في تحقيق التحول الديمقراطي الذي أضحى مطلباً شعبياً ملحاً لا يمكن التراجع عنه مهما برر المبررون لذلك.