محمد البشير طه أبو درق لمن لا يعرفونه هو شاب سوداني ينتمي إلى قبيلة الكبابيش محلية سودري، ورغم أنه من مواليد الخرطوم بحري قرية الكباشي إلا أنه ظل شديد الارتباط والتواصل ببادية الكبابيش، يشد إليها الرحال ويمكث فيها ما شاء الله له. وعندما أراد الزواج اقترن ببنت عمه المعلم محمد طه المقيم في تلك الديار. وفي العام الماضي سافر هذا الشاب إلى مصر لإجراء عملية جراحة في العين ثم عاد في موعد مع الطبيب إلى القاهرة مرة أخرى، ولكنه وفي مطار الخرطوم وهو يهم بالسفر تم اعتقاله مع أحد أقاربه ومكث عدة أشهر ثم أفرج عنهما وظنت القبيلة والأهل أن خيرا قد حدث وأن الأمر قد انتهى إلى هذا الحد، ولكن مما يؤسف له أن الشاب محد البشير قد أعيد للمعتقل مرة أخرى في أخريات العام المنصرم وظل في المعتقل بسجن كوبر من غير أن يعرف السبب من الاعتقال في هذه المرة أيضا ولم يتم تقديمه للمحاكمة، ولم تبق إلا التكهنات حول جريرته والتي حتما لا تتعلق بحق أحد من الناس، ذلك أن أحدا لم يتقدم بفتح بلاغ في مواجهته. فإن كان الأمر يتعلق بحق عام كان من الواجب الكشف عنه أمام الرأي العام حتى يكون الجميع على بينة، أو تقديمه لمحاكمة عادلة، وفي غياب هذا كله فإن عفو الدولة والسيد رئيس الجمهورية قد بلغ شأوا بعيدا في الصفح عمن حملوا السلاح في دارفور وأتاح لهم من جديد العودة إلى أمهاتم ونسائهم وأخواتهم، وتعالت زغاريد الفرح في الخرطوم ودارفور وكل مكان، وهو أمر مفرح وسار للغاية. وقد ظلت (زينب) والدة محمد في انتظار هذه اللحظة الحبيبة إلى نفسها بعد أن فقدت والد محمد الذي توفي إلى رحمة مولاه قبل عدة سنوات وترك محمدا صغيرا. وقد صبرت الوالدة المكلومة على تربية ابنها الذي تخرج في الجامعة لكي يعينها على تربية إخوانه الصغار ولكنها الآن تريد رؤيته خارج القطبان، كما تتطلع لهذه اللحظة كل بنات عمه وأخواته اللائي مللن السؤال عنه، فهلا أصدرت يا سيادة الرئيس توجيهك بإطلاق سراح محمد البشير أبو درق من السجن، ولك الشكر والتقدير والثناء ومن الله الثواب الجزيل . أضفت وفاة لاعب المريخ السوداني الجنسية والنيجيري الأصل سحابة من الحزن والأسى على المواطنين السودانيين الذين عبروا عنه بكل ألوان الحزن من بكاء إلى عويل إلى الموت والانتحار كما فعل ابن الإحدى عشر عاما بمنطقة أم القرى وبكى الكل. ولا نريد هنا أن نقتصر على جهة من الجهات ونقول إنها أيضا حزنت لأن الحزن كان سيد الموقف وكان الحزن له أسبابه، ففي الناس صديق لإيداهور وفيهم زميل عاش معه وسافر وضحك ضحكة الفرح وبكى أيضا وفيهم من هو منتمٍ لنادي المريخ وقد وضع على إيداهور كل الأمل في أن يحقق المريخ النصر ويحرز البطولات في ما هو مقبل عليه من منافسات محلية وإقليمية، وكان إيداهور قد أثبت أنه الفارس الذي تنعقد عليه الآمال في حرب كرة القدم، فقد عرفت الملاعب كيف يصول ويجول صاعدا إلى المرمى نازلا إلى الجمهور ملوحا بعد أن يحقق الفوز على خصمه، ويحرز الأهداف التي تلعب فيها مهارته الفردية وقدراته الذاتية أكبر الأدوار. وهناك من أحبوا إيداهور لأنه ارتدى شعار المريخ أولا ورفض أن يبدله بأي شعار آخر بل ظل ابن المريخ الوفي ووضع نفسه تحت تصرف النادي بالكامل، إن شاء أعاره للآخرين وإن شاء أعاده وقت الحاجة إليه وهو رهن إشارته، وبالفعل فإن المريخ قد أعاد إليه إيداهور العودة التي شهدت النهاية الحزينة وهي الوفاة داخل استاد المريخ وعلى مقربة من المرمى وهو يرتدي شعار ناديه المحبب. وفوق كل هذا فقد أحب الناس في السودان وهم أناس يصنعون الحب يتبادلون السلام وعندما يلتقون يبدأون بالسلام، هولاء الطيبون أحبوا إيداهور لأن إيداهور أراد القرب منهم بنيله الجنسية السودانية التي تؤهله بعد عدة سنوات لكي يرتدي شعار صقور الجديان ويتحول إلى لاعب بالفريق القومي السوداني. ومجموع كل هذا هو الحب العميق والعشق السوداني الأبدي لكرة القدم.. أليس كذلك يا بروفسير الكرسني. لقد جلست ذات مرة بقاعة الصداقة وسط أساتذة جامعة الخرطوم وكنا نتابع مجريات المؤتمر العلمي العالمي الذي نظمته جامعة الخرطوم في الأسابيع القليلة الماضية وكان يتعاقب على مجلسنا ذاك الأصدقاء جعفر دياب عميد كلية التربية جامعة الخرطوم وحسن حاج علي عميد كلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية والبروفسير عبد الرحيم السيد كرار برعي أستاذ الأحياء الدقيقة بكلية الطب البيطري جامعة الخرطوم، وقد دلفنا قليلا صوب كرة القدم في مناسبة بطلها اللاعب الأسطورة الجزائري الأصل والفرنسي الجنسية زين الدين زيدان وما بدر منه في حق أحد اللاعبين الإيطاليين، ومن بعد ذلك مضى الكرسني ومن معه في استعراض الدوري الأسباني ولاعبي الصف الأول والناشئين هناك وفي بريطانيا ثم إيطاليا بذات القدر من المعرفة بكل كبيرة وصغيرة، وهذا يدل على تعلق أبناء السودان بهذه اللعبة وحبهم لها، ويستوي في ذلك الكبير والصغير وأستاذ الجامعة مع الشخص العادي من الناس الذين يمكثون الساعت الطوال من أجل تشجيع كرة القدم. وكان القدماء من اللاعبين والنجوم التي سطعت في السودان في ستينات وسبعينات القرن العشرين يقولون إن دافعهم الوحيد للعب الكرة كان هو حب الناس وتشجيعهم لهم وهم يلعبون الكرة ويحرزون الأهداف التي يتحدث عنها الجمهور حتى اليوم. وهنا لابد من الإشادة بالإعلام الرياضي وتناوله الموضوعي والإنساني لوفاة اللاعب إيداهور والذي تأكد حب الجميع له في عالم البريق والتضحيات الكبيرة وهو عالم كرة القدم الذي لا تحده حدود الزمان ولا المكان . نعى الناعي لقبيلة الإعلاميين والصحفيين في هذه البلاد الأخ والصديق والإنسان حسن الرضي.. وحسن هو أشهر سكرتير تحرير في الصحافة السودانية على الإطلاق وكان ود الرضي عليه رحمة الله من شاكلة الصحفيين الذين يعززون جهدهم التحريري والصحفي بصمت جميل تخرج من ثنايا هذا الصمت النبيل أحرف من نور. وكان حسن الرضي لا يلعن ظلام الصحافة السودانية ولا يسب الدهر الذي حوله مرارا وتكرارا إلى سلف هم أشبه بجلد الأجرب كما قال الشاعر العربي البدوي : ذهب الذين يعاش في أكنافهم .. وبقيت في خلف كجلد الأجرب.. لقد كان يوقد شمعة ما استطاع إلى ذلك سبيلا . ولم يمنعه عمله مع عمالقة الصحافة وروادها أن يعمل مع من هم في مقام وسن أبنائه ومع الطارئيين على المهنة ومع رؤساء تحرير (آخر زمان) ويقدم لهم الاحترام والتقدير ويضعهم في مكانة لا يستحقونها، وفي ذات الوقت يلقون عليه الحمل ويرمون على كاهله الأعباء وسهر الليالي والتسلل في الظلمات بحثا عن حافلة تقلُّه إلى منزله . لقد يسرت لي الأقدار أن ألتقي مع الصديق الراحل حسن الرضي في عدة صحف وكان دائما في حالة من الخوف على ضياع الوقت، يهمه أن تكون صفحاته قد خرجت وأدى واجبه اليومي على أحسن وجه، وإذا شعر أنك قد ألححت عليه في الأنس أو المجادلة رد عليك بضحكة عميقة ثم يهز رأسه وينظر إليك وقد تلاشت ضحكاته تدريجيا وعاد لابتسامة خفيفة تظل تضيء عالم السكرتارية الواجم وتضفي على أعوانه من كوادر الجمع الإلكتروني والتصميم اليدوي أو بالكمبيوتر سحابة من الفرح تمتد حتي آخر النهار. سؤاله عن الناس دائما هو (كيف يا أبو السيد كيف يا أستاذ علي) ولعل علي هنا هو علي عبد الكريم الذي يتآلف مع الراحل ويعرف سكرتيري التحرير ويدلنا عليهم ونحن في لهو عن الخدمة الحقيقية للمهنة بالأخبار والسفر والمشي في الطرقات. خذ عندك مثلا عمر إسماعيل عبد الصادق، خذ عندك مثلا ياسر علي طاهر، خذ عندك مثلا الشهيد مبارك سراج وقد كان من أميز سكرتيري التحرير وقد لايعلم هذه الحقيقة كثير من الناس، وخذ عندك نور الدين مدني وهو أستاذ في التجويد الصحفي والتحريري. لقد قصرنا في حقك يا (أبو علي) يا أستاذ الأجيال عندما لم نذهب لزيارتك بالأبيض عروس الرمال. ونرجو أن يكون اتحاد الصحفيين قد قام بتكريمك أو منحك من إحدى الكليات أو الجامعات درجة فخرية في الصحافة لأنك تستحق ذلك. وأرجو أن نلتقي في جنة عرضها السماوات والأرض بإذن الله .