مدخل: يعتبر التعليم الفني واحداً من أهم ضروب العلم والمعرفة لجميع أنحاء العالم، حيث أن حوجة المجتمع لتناول هذا العلم تدخل ضمن أهم أولويات العمل الوظيفي، ومثلما نحتاج إلى الطبيب والسفير والمهندس والسياسي نبحث عن الكهربائي والميكانيكي وفني التبريد والتكييف وعامل البناء والتشييد والخراطة والسمكرة وأنواع أخرى عديدة لا يقل طلب المجتمع عليها وأهمية الدور الذي تقدمه عن أهمية الوظائف الأخرى. إلا أنه قد تلاحظ إن هذا النوع من التعليم الفني بالبلاد يواجه عجزاً ومشاكل مختلفة حيث يرتبط التدني في مستوى نسب النجاح به، مما دفع «الأهرام اليوم» لفتح هذا الملف لمعرفة لماذا تهمل الدولة والمؤسسات التعليمية هذا النوع من التعليم؟ ولماذا ارتبط التعليم الفني بالفشل في نسب التحصيل الأكاديمي؟ داخل معهد الخرطوم الحرفي مدير معهد الخرطوم الحرفي الحكومي عمر موسى محمود، قال ل«الأهرام اليوم» إن التعليم المهني والفني لم يحظَ باهتمام واسع من قبل الدولة، وذكر أن خطة وضعت في عهد الرئيس السابق جعفر نميري كانت تهدف لرفع مستوى التعليم الفني الى نسبة «60%» من إجمالي التعليم بالسودان، وأن عدد طلاب التعليم الفني لا يتجاوز ال«4%» من عدد الطلاب الجالسين لامتحانات الشهادة. ويعزي هذا العجز والتدني في عدد الطلاب المقبلين على التعليم الفني الى عدة أسباب، أهمها ضعف ثقافة المواطن بهذا النوع من التعليم، حيث أن نظرة المواطن للتعليم الفني لاتزال متدنية، والدليل أن أولياء الأمور لا يملكون الرغبة في توجيه الأبناء للتعليم الفني، حيث أن دراسة التخصصات التي لها رنين في المجتمع هي الرغبة الأولى لكل رب وربة أسرة يحلم بمستقبل باهر لابنائه. وأكد مدير معهد الخرطوم الحرفي ل«الأهرام اليوم» أن تدهور مستوى التعليم الفني في السودان تقع مسؤولية بعضه على الدولة نفسها ممثلة في الإدارة العامة للتعليم العالي ووزارة التربية والتعليم، حيث ينعدم الاهتمام بتطوير المدارس الفنية بالسودان، وتنعدم أيضاً محاولات تحفيز الطلاب وتثقيفهم بأهمية التعليم الفني، واذا أخذنا ولاية الخرطوم مثالاً، نجد عدد مدارسها الفنية ثماني فقط أبرزها المدرسة البلجيكية الثانوية للتعليم المهني بالخرطوم، ومدرسة أم درمان الثانوية للتعليم الفني، وعلي السيد ببحري، وسلاح المهندسين، ومدرسة جبل أولياء للتعليم الفني.. إضافة الى عدد قليل من المعاهد منها معهد الخرطوم الحرفي الحكومي وبه ثمانية تخصصات منها تخصص ميكانيكا السيارات والتوضيب واللحام وتجارة الأثاثات وقسم بناء وتشييد المباني وأعمال التركيبات الصحية وتوصيلات المياه والمجاري والتكييف والتبريد، إضافة الى كهرباء المنازل ودراسة الحاسوب. ومن الناحية الأكاديمية تختلف الدراسة بالمعهد عن المدارس الثانوية، المعاهد تخرج الحرفيين أما المدارس الثانوية تقدم الطلاب الأكاديميين ممن يجلسون لامتحانات الشهادة الثانوية بشرط اجتيازهم لامتحانات شهادة الأساس. أما المعهد الحرفي لا يشترط الحصول على شهادة ثانوية لقبول الدارسين حيث أن رسالة المعهد تعنى بتقديم حرفة من شأنها مساعدة فئة معينة من المجتمع على امتهان عمل يعينه في الحصول على لقمة عيش كريمة، حيث أن غالبية طلاب المعاهد الفنية هم من أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة الذين يملكون بعض المواهب ويحتاجون الى مد يد العون لتقنين تلك الموهبة. ويمنح المعهد الدارسين، بعد تدريبهم بصورة جيدة، شهادة حرفية معترف بها، ومن بين المواد التي تدرس للطلاب، اللغة العربية والتربية الإسلامية والفنون وبعض مواد الرياضيات، إضافة الى مادة أصول الصناعات والمواد العملية المذكورة سابقاً. ففي حالة تفوق الطالب في الدراسة بالمعهد يمكنه الخضوع لامتحان الشهادة الفنية، ويدرس بعدها سنة تأهيلية، وفي حالة نجاح الطالب يمكنه التصعيد لدراسة الدبلوم بجامعة السودان. وأكد مدير معهد الخرطوم الفني ل«الأهرام اليوم» أن عدد طلاب المعاهد الفنية أكبر من عدد طلاب المدارس الثانوية الفنية، حيث بلغ عدد طلاب معهد الخرطوم الحرفي حوالي (1400) طالب وهو ما يفوق ضعف عدد الطلاب بالمدارس الثانوية. وفي ذات السياق التقت «الأهرام اليوم» وكيل المدرسة البلجيكية الثانوية للتعليم الفني محمد عبد الرحمن، قال إن المدرسة أنشأت عام 1982م وإن عدد الطلاب بالمدرسة حوالي (580) طالب يتلقون المواد الأساسية لطلاب الشهادة الثانوية وهي «اللغة العربية اللغة الإنجليزية التربية الإسلامية الرياضيات المتخصصة الفيزياء» الى جانب المواد الفنية وهي «الرسم الهندسي وأصول الصناعات وأعمال الورش». وبعد إكمال مرحلة التعليم الثانوي يتم إخضاع الطلاب لامتحان الشهادة الثانوية وامتحان المواد الفنية إلا أن نسب النجاح عادة ما تتراوح ما بين ال(30 40%). وعزا وكيل المدرسة البلجيكية هذا الفشل الى عدة عوامل أهمها أن نسب القبول المتدنية التي أحرزها الطلاب في مدارس الأساس وهي تتراوح ما بين ال(140 200) درجة، ونادراً ما ترتفع عن هذه النسبة، كذلك طبيعة المنهج صعبة جداً، فكيف يمكن أن تطالب الطالب الفني بالخضوع لامتحان الشهادة والنجاح في مواد أكثر تعقيداً وأكثر من مواد الطالب الأكاديمي العادي، وهي المواد العلمية تخصص الرياضيات بالإضافة الى بعض المواد الفنية، وأكد أن طبيعة المنهج الحالي تتطلب تعديلاً فورياً ودراسة عملية ومنطقية من قبل إدارة القبول وإدارة المناهج والادارة العامة للتعليم الفني، حيث أن غالبية طلاب المدارس الفنية الثانوية لا يتمكنون من اجتياز هذا الامتحان ولذلك تقل فرص قبولهم بجامعة السودان ولا يحظون بفرص لدراسة البكالريوس، وهنا يكتفي غالبية الطلاب بنيل دبلوم خاص تمنحه المدارس الثانوية يتم التصديق عليه من قبل وزارة التربية والتعليم، أو يلجأون لدراسة الدبلوم في جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا. لذلك لابد من معالجة الفاقد التربوي لمنح الطلاب شهادات ثانوية تؤهلهم لدراسة فنية عالية المستوى ومتطورة في نفس الوقت. مشاكل تواجه التعليم الفني ومن جانب آخر التقت «الأهرام اليوم» مدير عام إدارة التعليم الفني بوزارة التربية والتعليم عوضية علي النجومي، ، حيث أكدت أن مفهوم التعليم الفني يشمل جميع أشكال المستويات العلمية التعليمية التي تتضمن بالإضافة للمعادلة العامة دراسة التكنولوجيا والعلوم ذات الصلة واكتساب المهارات العملية المختلفة في شتى مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية. وأكدت في حديثها ل«الأهرام اليوم» أن التعليم الفني بالسودان يعاني من عقبات ومشاكل أبرزها ما يتعلق بالجانب المدرسي حيث أن التعليم الفني مكلف جداً ويعاني من نقص المعلمين الفنيين المدربين والمؤهلين، بالإضافة الى أن المنهج يحتاج الى تطور يناسب المستجدات والمتغيرات في هذا المجال، وأرجعت تدني نسب النجاح في التعليم الفني الى عدة عوامل أهمها أيلولة التعليم الفني للولايات وهو ما يساهم في شح الإمكانيات وعدم الاستفادة من دعم المنظمات التعليمية، الى جانب أن نسبة القبول أساساً ضعيفة وسياسة القبول للجامعات والمعاهد العليا ضعيفة ولا تحفز الطلاب لولوج مجال التعليم الفني، حيث أن العديد من المدارس الفنية لا تستطيع الحصول على العدد المناسب من الطلاب لتسرب الطلاب من بين الصفوف الى المدارس الأكاديمية، كما أن ضعف فرص التعليم العالي حرم العديد من الراغبين في الانخراط في التعليم الفني، حيث أننا لا نملك الوعي الكامل لقيمة هذا النوع من التعليم. وحول الحلول المقترحة والرؤى المستقبلية لمعالجة العجز في مستوى التعليم الفني بالسودان، أكدت مدير عام التعليم الفني بالتربية والتعليم ضرورة تطوير البنى التحتية للتعليم الفني، وربط منتجات التعليم الفني باحتياجات سوق العمل، وإنشاء سكن للطلاب بالولايات المختلفة، وأبانت أن أبرز المتطلبات تأهيل المدارس وتدريب المعلمين وتوفير الكتاب المدرسي وإيجاد فرص للالتحاق بالتعليم العالي. وأشارت الى أهمية الأخذ بعين الاعتبار عدد الطلاب بالمستوى الأكاديمي بالسودان الذي يبلغ (753.70) طالباً وطالبة مقارنة بعدد الطلاب بالتعليم الفني بولايات السودان الذي يبلغ حوالى (27.245) طالباً وطالبة. أما إذا قارنا بين عدد المدارس الأكاديمية الثانوية بالسودان نجدها (3455) مدرسة بينما يبلغ عدد المدارس الفنية بالتعليم الفني «صناعي، تجاري، نسوي، زراعي ومعاهد حرفية»، (175) مدرسة ومعهد وهو ما يعادل (5%) من عدد المدارس الثانوية الأكاديمية، وأكدت أن العجز الكبير ما بين التعليم الأكاديمي والفني يستدعي وضع خطط معالجة من قبل «مجلس التعليم التقني والتقاني» الذي أسسته الدولة منذ عام 2005م، وضرورة توجيه الاهتمام للتعليم الفني بالسودان مع وضع تجربة دول تقدمت كثيراً في هذا المجال مثل ماليزيا وأندونيسيا.