الحرب بكل بشاعاتها، وخساراتها، التي لا تبرأ جراحها، المادية والمعنوية؛ إلا بعد فترة طويلة، هي سلاح - كما يعلم الجميع - فتاك لإفناء البشرية. وباستثناء الذود عن الأوطان؛ فهي الوحش غير الطبيعي، الذي يلتهم الأرواح، ويكبِّد خسارات فادحة في المعدات والعتاد، بجانب الصدمات النفسية والعصبية التي تترسب في أعماق الأجيال. فإن كانت الأفلام السينمائية تناولت هذا الموضوع من زوايا متعددة تقشعر لها النفوس؛ فإن ما يحدث في الواقع الآن من حروبٍ نشاهد مشاهد منها مبثوثة في أخبار الفضائيات؛ يفوق بشاعة حروب الأفلام. قبل فترة، طالعتُ مجموعةً من المقالات في الصحافة العربية، تدور حول فيلم (إنقاذ الجندي رايان)، وكم تمنيت مشاهدته! وبالفعل حظيت بذلك بإحدى القنوات الفضائية. الفيلم كما هو معروف نال عدداً من الجوائز، ومنها (الكرة الذهبية)، وجوائز أوسكار، كما احتل صدارة قائمة أفضل الأفلام في عام 1998 وإيرادته وقتها تجاوزت المائة والثمانين مليون دولار. لمَ لا ينجح (إنقاذ الجندي رايان) ومخرجه ومنتجه سبيلبرج، مخرج الروائع! ولعب فيه الممثل النجم توم هانكس دوراً بارزاً ومؤثراً (الرقيب جون ميلر)، وقام بدور رايان الممثل صاحب الأدوار المتميزة (مات دامون)، وإن كان دوره قصيراً في الفيلم، بيد أنه أثبت براعةً في مزاوجة مشاعره بين (الابن) المطلوبة عودته إلى الوطن، وبين مسؤوليته في الحرب بوصفه جندياً. إن فيلم (إنقاذ الجندي رايان) من الأعمال المتميزة التي تناولت الحرب العالمية الثانية (1939 1945) والتي حدثت فيها مذابح تسببت في حصد أرواحٍ لا تحصى، وخراب، ودمار، غيَّر وبدَّل الحدود والملامح السياسية لعدد من الدول آنذاك، وكانت حرب مواجهة وإبادة بشعة بين جنود الحلفاء والجنود الألمان. مع أول لقطة من الفيلم؛ نرى (أمريكياً شيخاً) يتحرك داخل مقابر تمتد بامتداد البصر، والشواهد على القبور، كأنها كتيبة ضخمة لا حصر لها من الجنود يقفون في حالة تأهب واستعداد؛ مما يؤكد حركة الكاميرا وبراعة المصور جانوس كامينسكي. يقف العجوز جيمي رايان أمام شاهد قبر، ويركّز المصور على عينيه اللتين تنطلق منها الأحداث على طريقة (الفلاش باك). ويكون الانتقال إلى مكتب جنرال مع اثنين من مساعديه، حيث تأتي رسالة من الرئيس الأمريكي يعزي فيها امرأة في استشهاد أربعة من أبنائها في الحرب، وتشيد الرسالة بشجاعتهم. علم الجنرال من تقرير آخر أن للمرأة ابن خامس أيضاً، فُقد في إحدى الغارات الجوية داخل الأراضي الفرنسية، وقد رأت القيادة العليا البحث عن هذا الابن الخامس - الجندي رايان - والذي قام بأداء دوره مات دامون، وأوكلت المهمة إلى الرقيب العسكري جون ميلر وكتيبته المكونة من ثمانية رجال. ومن هنا بدأت مشاهد الحرب تترى، بدءاً بمعركة نورماندي الشهيرة على الشواطئ الفرنسية حيث يصدمنا دوي الأسلحة الفتاكة الأرضية منها والمحلقة في الفضاء، ونيران مشتعلة في جميع الجهات، وقتلى وجرحى وأشلاء متناثرة هنا وهناك.. وكانت موجات البحر عبارة عن دماء تصبغ الشواطئ بلونها، وصرخات وعويل. فيلم (إنقاذ الجندي رايان) متعته لا تضاهى، في السيناريو والحوار والتصوير والإخراج. واحد غتيت خالص، جبرتو مرتو عشان يجيب خدّامة في البيت، قام الغتيت أدى الخدامة فرشة أسنان وقال ليها: قشي الحوش!!