«تأجيل أو تأخير للانتخابات مافي، وأي أجنبي أو منظمة موجودة بالسودان تتكلم عن تأجيل الانتخابات تُطرد اليوم قبل باكر».. بتلك الكلمات التي أطلقها رئيس الجمهورية عمر حسن البشير الإثنين الماضي باستاد بورتسودان يجدد المؤتمر الوطني تمسُّكه بموقفه المعلن والرافض لمسألة تأجيل الانتخابات، اتجاه يعدِّد من مسارات القوى السياسية المتجهة نحو صناديق الاقتراع ما بين داعٍ للتأجيل والرافض .فالقوى السياسية المعارضة ممثلة في (17) حزباً الحركة الشعبية والمؤتمر الشعبي خارج منظومتها أمهلت رئاسة الجمهورية إسبوعاً للرد على مذكرة رفعتها الخميس الماضي تطالب بتأجيل العملية الانتخابية حتى نوفمبر المقبل، ولوَّحت بمقاطعة العملية حال عدم استجابة الرئاسة. وأعقبت المعارضة مذكرتها بدعوة، في مؤتمر صحفي عقدته السبت الماضي بدار حزب الأمة، كافة رؤساء الأحزاب لاجتماع بعد أيام للخروج بقرار نهائي وحاسم بخصوص العملية الانتخابية، وطالبت في مؤتمرها الصحفي بتشكيل حكومة قومية تعمل على إعادة تشكيل مفوضية الانتخابات وإجراء إصلاحات في مسألة التعداد السكاني الذي أُجرى مؤخراً. الحركة الشعبية والتغريد خارجاً ويرى مراقبون أنه لا جديد في موقف القوى السياسية المعارضة من قضية الانتخابات المقبلة باستثناء موقف الحركة الشعبية والمؤتمر الشعبي، فالحركة تنأى بنفسها من التوقيع على مذكرة أحزاب المعارضة ال(17) مما يشير إلى عدم رغبتها فعلياً في تأجيل العملية مسبقة القول بالفعل، وأنها فضّلت السباحة هذه المرة عكس تيار المعارضة علناً ودون تحفظ جنباً مع حزب المؤتمر الشعبي الذي حسم أمره وامتنع أيضاً عن التوقيع على مذكرة التأجيل، وقال أمينه السياسي كمال عمر في اجتماع للحزب الأربعاء الماضي 17 مارس الجاري ترأسه د. حسن عبد الله الترابي رئيس الحزب وأستمر نحو (3) ساعات، قال: «مع احترامنا لرأي القوى السياسية فإننا نعتقد أن الساحة قد تهيأت عبر المناخ الذي خلقته الحملة الانتخابية للمُرشّحين ويصعب أن تتهيأ مرة أخرى بعد التأجيل». موقف وجد الترحيب من حزب المؤتمر الوطني الذي أكد طبقاً لنائب رئيس الحزب د. نافع علي نافع أن الخطوة يُشكر عليها المؤتمر الشعبي. ولكن القيادي المعارض د. فاروق أبوعيسى اعتبر مسلك المؤتمر الشعبي نكوصاً عن إجماع القوى السياسية المعارضة، وعلق قائلاً في تصريحات صحفية: «إن المؤتمر الشعبي خالفنا ويبدو أنه عائد لأهله». قبل أن يسارع أبوعيسى إلى إيجاد المبرر للحركة الشعبية التي رفضت التوقيع على ذات المذكرة، موضحاً في تصريحات صحفية أنهم يتفهمون موقف الحركة بحكم أنها شريك في الحكم. ماذا يريد الشعبي؟ ويستبعد مراقبون أن يكون رفض المؤتمر الشعبي مبدأ تأجيل الانتخابات مردّه حدوث تقارب في مجريات العلاقة بينه و(صديقه اللدود) المؤتمر الوطني، وأشاروا إلى أن د. حسن عبد الله الترابي رئيس الحزب يعد عرّاب نظرية تشتيت الأصوات للإطاحة بمُرشّح المؤتمر الوطني لرئاسة الجمهورية عمر البشير عبر إجهاض الجولة الانتخابية الأولى بتقديم عدد من المُرشّحين للرئاسة من القوى السياسية الأخرى، والحيلولة دون اكتمال النصاب المقدر ب(50 % + 1) والدخول للجولة الثانية بمُرشّح واحد تتفق عليه القوى السياسية ضد مُرشّح المؤتمرالوطني. ورجح مراقبون لجوء المؤتمر الشعبي إلى نسف العملية الانتخابية والطعن عملياً في نزاهة وحيدة العملية الانتخابية مستفيداً من بعض المنظمات الدولية التي تعمل على مراقبة الانتخابات ويعتمل جوفها بأجندة تناصب المؤتمر الوطني العداء، لاسيما وأن مركز كارتر الذي أسسه الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر أصدر تقريراً استباقياً قبل أيام قال فيه إن الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة تظل في خطر على عدة جهات، وأشار إلى وجود صعوبات فنية تعيق العملية، لافتاً النظر إلى تأخر وصول بطاقات الاقتراع المطبوعة خارج السودان، وأن مفوضية الانتخابات فشلت في إرسال التجهيزات الفنية للمطابع في وقت مبكر. ودعا المركز في تقريره الحكومة إلى رفع ما أسماها بالإجراءات الصارمة على عقد التجمعات الانتخابية وإنهاء القتال في دارفور قبل حلول موعد الانتخابات. وكانت إحدى المنظمات المشاركة في مراقبة العملية الانتخابية أشارت الإسبوع الماضي إلى أن السودان قد يجد نفسه مضطراً إلى تأجيل أول انتخابات تعددية تجري بعد (24) عاماً بسبب مشكلات لوجستية، وأن مئات الآلاف من الأسماء غير متضمنة في اللوائح الانتخابية حتى قبل إجراء الانتخابات بأسابيع. واكتفت المفوضية القومية للانتخابات في ردها على تقرير مركز كارتر بحسب نائب رئيسها البروفيسور عبد الله أحمد عبد الله بأنها ستدرس التقرير لتفنيده، وألقت باللائمة على مدير المكتب بالسودان «غراهام السون» الذي أوضحت أنه لم يلتزم بتوجيهات كارتر خلال زيارته للخرطوم بأن يتم رفع أي تعليق من المركز للمفوضية للرد عليه، وأن غراهام اعتمد في إعداد تقريره على جهات غير المفوضية. ويؤكد مراقبون أن ما يعضد القول بأن حزب المؤتمر الشعبي ربما يسعى إلى نسف العملية الانتخابية بعد قيام عملية الاقتراع والطعن في صحة إجراءاتها، مسارعة مسؤوله السياسي كمال عمر إلى استنكار في تصريح ل(الأهرام اليوم) تهديدات رئيس الجمهورية بطرد المنظمات الدولية والأجانب دعاة تأجيل الانتخابات، معتبراً إياه مؤشراً خطيراً لعدم قيام انتخابات حرة نزيهة ونهايةً لها قبل قيامها. وقال عمر: «إن البشير مُرشّح وليس لديه سلطة طرد منظمات المراقبة، وأن أمر الانتخابات حق خاص لمفوضية الانتخابات». ويدافع المؤتمر الشعبي عن موقفه المطالب بعدم تأجيل الانتخابات بأنه يريد أن يدفع ثمن ارتكابه لخطأ إتيانه بنظام عسكري، وأن مطالبته بعدم التأجيل تعود إلى قناعته بإمكانية تحقيق نتائج مُرضية في الديربي الديمقراطي وليس من أجل تقويض العملية. وقال كمال عمر لا يجب أن يُفهم من تلك المطالبة سعينا الإطاحة بالنظام الحالي بغير الانتخابات، موضحاً أن الانقلاب أو الانتفاضة أو العمل المسلح لن يجدي نفعاً وسيقود إلى مجازر يروح ضحيتها الكثيرون. وأكد عمر في حديثه ل(الأهرام اليوم) أن حزبه استصحب كل الخروقات التي تقوم بها أجهزة الدولة المختلفة، وأنهم قبلوا خوض العملية الانتخابية لعلمهم أن البلاد مأزومة ولا تقبل تحولاً ديمقراطياً بخلاف الانتخابات، وقال دفعنا بنظرية تشتيت الأصوات لهزيمة مُرشّح الوطني وهزيمة مشروع متجبر لنحو (20) سنة، وقال لا يمكن أن يُفهم من كل ذلك أننا نسعي لاستغلال ظرف الانتخابات، وأضاف نريد أن نكون شهوداً على الوقائع والتزوير، وتساءل كيف يمكن أن نكون شهوداً ونحن خارج العملية، وأضاف أن الحكومة إذا لم توفر مناخاً انتخابياً حراً ونزيهاً قطعاً ستكون قد ساقت البلاد إلى أزمة. إذاً، (3) أسابيع تفصلنا وانطلاقة الديربي الديمقراطي، وأجندة القوى السياسية من العملية الانتخابية يكتنفها الغموض، وكل القرارات والتحليلات السياسية ربما ليست كافية لرسم صورة واضحة لاتجاهات القوى السياسية نحو العملية الانتخابية .. بما فيها المؤتمر الوطني.