لماذا ظلَّت أسعار سلعة السُّكر الإستراتيجية في تذبذب مستمر؟ ومن وراء عدم ثبات تلك الأسعار؟ رغم وفرة الإنتاج؛ شهد الربع الأخير من العام الماضي ارتفاعاً مفاجئاً وصل فيه سعر الجوال إلى (200) جنيه في السوق، مقارنة بسعر بيع الشركة المنتجة، المحدد ب(105) جنيهات للجوال. حذّر تجار الاجمالي في حديثهم ل(الأهرام اليوم) من سياسة الاحتكار التي تتبعها الشركة السودانية للسكر، وأكدوا أن تلك السياسة تضر كثيراً بوضع السلعة في السوق. وأشار بعضهم إلى أن التجار يضعون يدهم على هذه السلعة بتخزينها وتفريغ السوق منها لأهداف سياسية أو لرفع سعرها. (الأهرام اليوم) فتحت هذا الملف، وإليكم ما فيه.
بوادر أزمة كانت الشركة السودانية للسكَّر في وقت سابق قد حددت قائمة بعدد (12) تاجراً فقط، اشترطت عليهم شراء إنتاج الشركة الذي فاق العشرة آلاف جوال؛ مما دفع تلك الفئة إلى احتكار السوق. لكن عقب الأزمة الأخيرة للسكر، والتي حدثت خلال العام الماضي، رفعت الشركة السودانية للسكر قائمة التجار الذين سُجِّلوا كعملاء أساسيين للشركة إلى (61) عميلاً، لكنهم انتقدوا بطء عمليات تسلمهم حصصهم رغم تسديد قيمتها للشركة. شهدت الفترة الأخيرة من العام الماضي بروز عدة مشاكل أدت إلى تذبذب وتأرجح أسعار السكر ما بين الهبوط والارتفاع، إذ بلغ سعر الجوال في شهر أغسطس الماضي أكثر من (200) جنيه، مقارنة بسعر بيع الجوال المحدد ب (105) جنيهات من الشركتين المنتجة والمورّدة للسكر، باعتبارهما المصدرين المتحكمين في سوق السكر، وهما شركة سكر كنانة وشركة السكر السودانية. ورغم ثبات سعر الجوال؛ إلا أن نسبة الربح فاقت ال95% من السعر الحقيقي للجوال، الأمر الذي فتح باباً واسعاً للجدل، وأثار العديد من التساؤلات حول تداول السلعة واستهلاكها وتوزيعها والتحكُّم في سوقها بيعاً وشراءً. (الأهرام اليوم) فتحت هذا الملف لتعكس حقيقة الواقع والأرقام المتداولة لسلعة السكر وتأرجُح سوقها. إنتاجية عالية.. ولكن؟! يعتبر السودان من أكبر الدول المنتجة لقصب السكر، والمصدر الرئيسي لإنتاج السكر النباتي، إذ يوجد في السودان أكثر من سبع مصانع مُنتجة للسكر، وتتحكم في توزيعه وتصديره إلى الخارج شركتان، هما شركة سكر كنانة، وهي شركة مساهمة من عدة جهات يملك الجانب السوداني فيها أقل من 50% من أسهم الشركة، وشركة السكر السودانية، وتقع على عاتقها مسؤولية التحكُّم في إنتاج السكر وتوزيعه داخلياً وخارجياً مع تحديد الكمية المسموح بشرائها على حسب إنتاج الشركة من السكر، بشروط معينة تشترطها الشركة على الذين يتاجرون في سلعة السكر. (الأهرام اليوم) التقت حاج الطيّب الطاهر، الأمين العام السابق لشعبة تجار السكر، الذي أشار إلى ارتفاع أسعار السكر إذ بلغ سعر الجوال (112) جنيهاً بزيادة بلغت (8) جنيهات على السعر السابق. وقال إن شركة السكر بررت الزيادة الطارئة في أسعاره بزيادة تكلفة الإنتاج عالمياً، إذ أن الشركتين هما المسؤولتان مباشرة عن أي زيادة أو نقصان في أسعار السكر. وأوضح الحاج الطيب رئيس الشعبة أن الشركة تمنح التجار هذه السلعة بشروط معينة من بينها الحصول على ملف تجاري أو بطاقة تجارية إلى جانب الحصول على بطاقة ضريبة إضافة إلى تحديد وإلزام التجار بضريبة معينة مثلما حدث خلال أزمة السكر السابقة؛ فقد حدث احتكار للسلعة من فئة من التجار لا تتجاوز (12) تاجراً فرضت عليهم الشركة وألزمتهم بشراء ما لا يقل عن (15) ألف جوال، هذا الأمر جعل قوة التحكُّم في توزيع إنتاج السكر في يد تجار بعينهم، يختلفون باختلاف التوزيع الجغرافي، ويجتمعون في الاتفاق على تفريغ السوق من مادة السكر حالياً، وتخزين الكمية الموجودة لديهم لأغراض سياسية معينة تهدف إلى رفع الأسعار بحسب الطاهر، وإرغام المستهلك على شراء السكر بقيمة تكاد تصل إلى ضِعف السعر السابق. ونسبة لأن هذه الخطة الاحتكارية للسوق كانت مدروسة ودقيقة؛ يتزامن عادة وقت تنفيذها مع بدايات شهر رمضان، حين تتفاقم الحاجة إلى استهلاك السكر، خصوصاً وهو مكون وعنصر أساسي في صنع العصائر والحلويات المستخدمة لتعويض الطاقة وإعادة توازن الجسم. ويلاحظ أن الإقبال على السلعة وحاجة المستهلك تساعدان التجار المتحكمين بالسوق على تنفيذ مخططهم والحصول على مكاسب مالية تتجاوز مليارات الجنيهات قبل بداية شهر رمضان. وخلال الأزمة السابقة أصدر المواطن صرخة عالية أحدثت تذمراً بالغاً كان لصداه أثراً على بعض الجهات المختصة التي أرغمت الشركتين المنتجتين للسكر على فتح منافذ جديدة للتوزيع وتقليص العددية المسموح بشرائها من التجار؛ فدخل سوق التوزيع أكثر من (36) تاجراً جديداً غطوا حاجة السوق من السكر وأسهموا في تخفيض سعر الجوال ليصل إلى (110) جنيهاً بدلاً عن (200) جنيه. أسئلة بلا إجابات ولكن يبقى السؤال الذي فشلنا في إيجاد إجابة وافية عليه من قبل إحدى شركتي الإنتاج والاستيراد والتصدير، «شركة سكر كنانة، وشركة السكر السودانية»، رغم محاولاتنا الكثيفة لطرق الأبواب، وهو: لماذا أرغمت الشركتان التجار على التعامل في إطار كمية محددة بلغت (15) ألف جوال كحد أدنى؟ ومن هو المسؤول عن احتكار (12) تاجراً لسوق السكر؟ ولماذا هذا التزامن مع ازدهار موسم الطلب على السكر؟ وهل هناك جهات مراقبة ومسؤولة بإمكانها فرض نظم ولوائح لضبط التوزيع والإنتاج لتلافي مثل هذه الظواهر؟ ولماذا أغلق باب الاستيراد أمام التجار وفتح للشركتين فقط؟ وفي ذات السياق أكد الأمين العام لشعبة التجار ل«الأهرام اليوم» أن سعر السكر حال استيراده من البرازيل وحتى حين وصوله إلى بورتسودان يكلِّف سعر الطن منه حوالي (450) دولاراً ويبلغ سعر الجوال الواحد منه حوالي (60) إلى (65) جنيهاً، أما الجوال المنتج من الشركة الآن؛ يقوم التجار بشرائه بتكلفة تبلغ (112.5) جنيه وبيعه للمستهلك بحوالي (113) إلى (115) جنيها، بإضافة (1) إلى (2) جنيه إلى سكر الشركة، بفرق سعر عن المستورد يبلغ أكثر من (50) جنيهاً للجوال الواحد، مع العلم أن شركتي «كنانة والسكر» غالباً ما تكونان هما المستورد المحلي للسكر من الخارج، ومن يبيع السكر للتجار بقيمة الجوال المحلي، إذ أن سعر السكر المستورد والمحلي ثابت وبقيمة مشتركة (112.5) جنيه للنوعين مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن السودان يعتبر من الدول المنتجة وبه أكثر من سبعة مصانع متخصصة في إنتاج السكر ويعتبر من الدول الموردة للسكر خارجياً. وتساءل؛ كيف يمكن أن يكون المورِّد مستهلكاً في آن واحد؟ وكيف يعقل أن يكون سعر جوال السكر بالسودان (115.5) جنيه، وسعر جوال السكر بالمملكة العربية السعودية مثلاً حوالي (102) ريال، أي ما يعادل (63) جنيهاً سودانياً، وسعر جوال السكر بالإمارات العربية المتحدة (163) درهماً، وهو ما يعادل (86) جنيهاً سودانياً؟ كذلك نجد أن سعر الجوال بجمهورية مصر العربية حولي (125) جنيهاً مصرياً وهو ما يعادل (90) جنيهاً سودانياً رغم أن مصر تعتبر أعلى الدول العربية من حيث ارتفاع سعر الجوال مع ملاحظة أن غالبية هذه الدول لا تنتج المادة الخام التي تعتبر المصدر الرئيسي لصناعة السكر ورغم ذلك نجد أن سعر جوال السكر السوداني هو الأكثر ارتفاعاً بين الدول العربية وبعض الدول الغربية!! - ومن جهة أخرى أكد أحد أكبر تجار الإجمالي بسوق أم درمان ل«الأهرام اليوم» أن سلعة السكر لا تعتبر من السلع المربحة للتجار؛ لأن نسبة الربح تتراوح ما بين الجنيه إلى الجنيهين للجوال الواحد رغم ارتفاع سعر الجوال مقارنة بالسعر العالمي وذلك لأن الشركتين المنتجتين للسكر تضعان نسبة أرباح تفوق تكلفة الإنتاج بأكثر من 50 % الأمر الذي يقع على كاهل المواطن المستهلك للسكر، والمحزن في الأمر أن الربح في سلعة السكر غالباً ما يذهب لصالح جهات مساهمة أجنبية تمتلك أسهماً داخل الشركة وتشكل المستفيد الأكبر من ارتفاع أسعار السكر بالسودان. كما طالب تجار الجملة عبر «الأهرام اليوم» بضرورة تقديم منتج السكر بصورة أجود وأرخص للمواطن عبر فتح باب الاستيراد الخارجي مثلما حدث في عام 2002م حين سُمح للتجار باستيراد السكر من خارج السودان وبالفعل استورد بعض التجار السكر ووصل سعر الطن حوالي (180) دولاراً فيما كان سعر طن السكر بالتكلفة المحلية (600) دولار، وذكر أن جهات سياسية تدخلت في ذلك الوقت لضغط علي وزير المالية الأسبق عبد الرحيم حمدي لفرض رسوم فاقت (40) جنيهاً على كل جوال سكر يدخل البلاد وتحت بند مستحقات ومنصرفات، وبإضافة هذه الرسوم غير المبررة دخل التجار في دواليب ودوائر مختلفة وتعرضوا لأزمات سياسية اضطروا بعدها للرضوخ لسياسات شركتي إنتاج السكر والتوقف عن استيراد السكر من الخارج. وفي عام (2005) أغلق باب الاستيراد مرة أخرى وأصبحت الدولة لا تسمح باستيراد السكر إلا عبر شركتي الإنتاج «كنانة والشركة السودانية»، وتساءل: لماذا لا تتبع تجارة السكر لغرفة الصناعات وهي الأقدر على إدارة هذه السلعة؟ سكَّر كسلا علمت مصادر «الأهرام اليوم» أن جوال السكر يباع في بعض مدن ومحليات كسلا ب(50) جنيهاً للجوال، وعلمت «الأهرام اليوم» أن السبب يرجع إلى أن بعض الجهات المستثمرة في مجال السكر تصدر السكر إلى أرتريا بأسعار رخيصة ويدخل إلى كسلا عن طريق التهريب ليباع بخمسين جنيهاً للجوال إلا أن السلطات المختصة تمنع دخوله إلى الولايات حفاظاً على السعر الأصلي للسلعة. شركة السُّكر.. أبواب مغلقة رفضت الشركة السودانية للسكر وضع النقاط فوق الحروف عبر تزويد مندوبة «الأهرام اليوم» بالمعلومات اللازمة حول ما أثير مؤخراً عن هذه السلعة الإستراتيجية، وردَّت إدارة شركة سكر كنانة قائلة: «لماذا تريدون فتح هذا الملف بعد أن هدأت رياحه»!! سياسات شركة السُّكَّر نذرٌ في الأفق، وبوادر قرأتها «الأهرام اليوم»، قد تُدخل سلعة السكر في أزمة من جديد خلال الأشهر القادمة، إذ علمنا خلال جولة ل«الأهرام اليوم» وسط تجار السكر أن بعض التجار يعملون على تفريغ السوق بسحب كميات من السكر إلى مخازنهم لخلق فجوة. شركة السكر السودانية لم تقر بوجود فجوة في السلعة بالأسواق؛ لكنها أعلنت مؤخراً استيرادها (100) ألف طن من السكر بلغت قيمتها (45) مليون يورو بغرض سد العجز في السلعة بالأسواق وتثبيت أسعاره. الخطوة التي أقدمت عليها شركة السكر السودانية تجعلنا نتساءل عن أسباب الأزمات المتكررة لهذه السلعة وبالذات خلال الأشهر التي تسبق الشهر الكريم شهر رمضان، هل هي بسبب قلة الإنتاج المحلي الأمر الذي دفعها إلى استيراد مئات الأطنان من الخارج؛ أم أن سببها عدم مقدرتها على ضبط السوق؟ إذ تعودت الشركة السودانية للسكر على تفريغ مخازنها من كل «كوتات» السكر والدفع بها لعملائها من التجار الذين تعودوا بدورهم على إيداعها مخازنهم وخلق ندرة لهذه السلعة وبالتالي التحكم في أسعارها. ولوحظ أن الزيادات في قيمة الجوال الواحد في ظروف مثل تلك تصل إلى ما يفوق90% ، فهلا تدخلت شركة السكر لإعادة رسم سياسة توزيع تلك السلعة الإستراتيجية عبر الدفع بكميات متوازنة إلى السوق لسد الطريق أمام المحتكرين؟