نصر الدين فرح عبد الباقي محمد سألني أحدهم الجزيرة مرة أخرى، وأخرى، وأخرى، لماذا؟ لأن الجزيرة أو مشروع الجزيرة أصبح من العناوين التي تثير الاهتمام كثيراً من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بل اصبح من الملفات التي تسبب كثيراً من الهواجس لصانعي القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في السودان، لا سيما في هذه الأيام، وأصبحت الجزيرة واحدة من المناطق التي يتجاذب فيها الساسة مداً وجزراً، ولكني هنا أود أن أتناول موضوعها بشيء من العلمية والمنطقية والمهنية، ولا أدعى كل ذلك، بيد أني أضع مؤشراً علَّه يكون واحداً من المؤشرات التي تسهم في حل ما هو متنازع أو متصارع عليه. وللذي لا يدري عن العملاق شيئاً، أرجو أن أضع بين يديه هذه المقدمة عن مشروع الجزيرة وإنسانه، وذلك من باب التذكرة فقط، لا من باب الإثارة وذر الرماد في العيون. ومن باب التذكرة لأنها تنفع المؤمنين؛ نطرق الأجراس فزعاً مما آل إليه المشروع العملاق، وما آل إليه إنسانه من تردٍ في كل الأحوال الزراعية في ما يختص بالزراعة، وتردٍ في الأحوال الاقتصادية في ما يختص بالمزارع والمواطن العادي. ومن باب التذكرة أيضاً أن نشير إلى سابق أوان المشروع وعنفوانه حين كان محط أنظار العلماء والباحثين لما تتميز به أرضه المنبسطة من انحدار يسهِّل ريها من أقصى جنوب الجزيرة إلى تخوم الخرطوم، ولكأنها ساجدة لله في حمدٍ وتسبيح، وتتخللها شبكة ري انسيابي من أكبر وأعظم شبكات الري الانسيابي في العالم، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الري الانسيابي هو أرخص نظم الري المتبعة في الزراعة على الإطلاق «وهذه نعمة ومنَّة من الله». ومن التذكرة أيضاً أن ما خُطط للمشروع من تركيبة محصولية متقنة روعي فيها الحفاظ على خصوبة التربة، ورفع فيها شأن القطن الذي سمي بالقطن السوداني بوصفه أفضل أنواع القطن في العالم؛ لذا كان السودان متصدراً إنتاجه وتسويقه، ينتظم ذلك في دورة زراعية منسقة ومتسقة حتى أني سألت «أبي» يوماً وأنا صغير، قلت: مالنا لا نزرع «الطماطم» في هذه «النمرة» وهي مخصصة أن تكون بوراً؟ فقال لي إن ذلك ممنوع منع التحريم. عرفت بعد ذلك بل درست أن هذه الأرض البور سوف تُزرع قطناً في الموسم القادم، وما أدراك ما القطن، الذهب الأبيض، كما كا ن يسمى، أو كما كان يتغزل فيه شعراؤنا ومغنونا. كيف لا نتذكر أن القطن كان عماد «اقتصاد السودان» ويمثل أكبر رافد مالي لخزانة البلاد التي تنفق في شتى مجالات الحياة. كيف لا نتذكر أن مزارع الجزيرة «بذهبه الأبيض» هذا؛ أسهم في دوران عجلة الحياة كلها بالسودان، الاجتماعية والثقافية والخدمية، إلخ، بل كان الشمعة التي تحترق لتضيء للآخرين دروب العلم للخروج من الجهل الحالك، وكان المنفق على الصحة لعلاج أهل السودان من المرض في حين ينوء بآلام الملاريا والبلهارسيا التي يتعرض لها «قدراً» لارتباط هذه الأمراض بالمياه، إذن هو شمعة تضيء لغيره وتفنى. كيف لا نتذكر أن الجزيرة كانت الملاذ الآمن لكل أهل السودان مطعمة لهم من جوع ومؤمنة لهم من خوف بعد أن هدد الجفاف والجوع أطراف السودان في سنوات الجدب فانصهروا كلهم في بوتقة واحدة لا تميز بينهم كأنهم مصطفين لصلاة ينادي بها بلال، لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بتقوى الله. كيف لا نتذكر وآيات الإيثار كلها متجلية في إنسان الجزيرة فأهلها ما لبسوا وتركوا إخوتهم عراة، وما شبعوا وإخوتهم جوعى وما تطاولوا في البنيان وأهلهم قصَّر، وأكبر دلالة على ذلك قراهم ومدنهم البسيطة، بل وحتى عاصمتهم ود مدني ما زالت متواضعة في حياء واستحياء ما عرفت التبرج والفسوق ولا تطاول عربها الحفاة في البنيان، إذ لا زالت طرقها قديمة وعتيقة يسير فيها السائر برجله أو بدابة من الدواب ومازالت حيطانها ملونة باللون الأبيض متفائلين بلوزة القطن المتفتحة عن الحرير الأبيض الزاهي. وما زالت ود مدني لم تزدد متجراً واحداً في سوق الذهب لأن الذهب حزين للذهب الذي ذهب، ولكن الأمل في الله لم يذهب. كيف لا نتذكر ولا تذكر وما زال رسول الله يوصي بكتاب الله تجويداً وحفظاً، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، كيف لا نتذكر أن أبناء الجزيرة يؤثرون على أعمالهم ومصالحهم الخاصة بل ويمدون يد العون علماً وعملاً ومشورة وحسن رأي لانتشال المشروع من السقوط وإعادة الحصان أمام العربة والانطلاق به لآفاق أرحب وغد أخضر يانع وذلك من خلال عدة حزم ومقترحات. ٭ أما المقترحات فمنها أولاً: تكوين لجنة يمكن أن نسميها لجنة دعم وتصحيح مسار مشروع الجزيرة والنهوض به وهي تتكون من أبناء الجزيرة وذلك للنهوض به ليتبوأ مقعده الرائد في اقتصاد السودان علماً شامخاً متصدراً ناتج الدخل القومي. ٭ ممن تتكون اللجنة؟ تتكون من ذوي الاختصاص في الشأن الزراعي والمتأثرين بالزراعة من أبناء الجزيرة وأرجو ألا يفسر ذلك بجهوية أو حزبية وذلك لأن أرجلنا على الجمر كما يقولون ولأننا وعلى حسب مهنيتنا التي أكسبتنا مناعة ضد التجاذب، وأعضاؤها هم: 1 - علماء بالجامعات وهيئات البحوث المتعلقة بالزراعة من حملة الدكتوراه والماجستير . 2 - المهندسون الزراعيون. 3 - مهندسو الري. 4 - مهندسو المساحة. 5 - فنيو الزراعة. 6 - فنيو الري. 7 - المزارعون بالمشروع. 8 - الإعلاميون المهتمون بالزراعة بالمشروع. 9 - الاقتصاديون. 10 - كل من له صلة بالمشروع ويدلي بدلو خير في ذات الأمر. ملاحظة: تم الاتصال فعلاً بعدد مقدر من هؤلاء ورحبوا أيما ترحيب بأن يقدموا أي مشورة أو فكر أو حتى التزام، وذلك من خلال عدة أهداف نوجزها في الآتي: 1 - تصحيح مسار المشروع باعتماد المقومات أدناه: أ- الاستفادة من كوادر اللجنة علماء ومتخصصين في وضع الخطط الطموحة وتحديد الأهداف وتصويب أسهم النجاح نحوها في دقة واتقان. ب- تصحيح الأخطاء التي رافقت تجربة الزراعة الحرة التي فككت التركيبة المحصولية والدورة الزراعية التي تحافظ على خصوبة التربة. ج- إعادة تأهيل قنوات الري الانسيابي والتأمين على أنه أفضل وأرخص نظام ري والعمل على تطويره. د- معالجة أسباب تدني الإنتاج وذلك بتبني محاصيل رائدة ورائجة عالمياً. ه- الدخول في استثمارات محلية أو أجنبية لتصنيع المنتج الزراعي لأنه لا نجاح لزراعة البتة من غير صناعة. و- خلق أسواق للمنتج بعد تصنيعه محلياً أو عالمياً لزيادة دخل المزارع وبالتالي زيادة الدخل القومي. ز- رفع كفاءة الأبحاث الزراعية لإنتاج المهجنات عالية الإنتاج والجودة. ح- التنسيق مع أجهزة الدولة بإعفاء اوتخفيض الرسوم الجمركية على المدخلات الزراعية مع الأخذ في الحسبان أن الزراعة مواسم ولا تتحمل التأخير. 2- اعتماد ولادة هذا الابن «اللجنة» من أب وأم شرعيين «مزارعين» بقسيمة تمهرها الدولة بالتوقيع على شرعيتها. 3- إتاحة منابر الحوار والمشورة العلمية وتداول الآراء العلمية في شأن الزراعة بالمشروع. ولعمرك ما خاب من استخار ولا خسر من استشار ولله الخيرة وبه الاستعانة وعليه الاتكال وهو الموفق مهندس زراعي طالب ماجستير جامعة الجزيرة