لم يتفق الشعب السوداني في وقته الحالي مثل اتفاقه على اهتبال حوجة المرشحين للأصوات الانتخابية التي تفضي لفوزهم فطفقوا يساومون بها مقابل تقديم الخدمات الرئيسية في معاشهم اليومي. ولم تكن من قرية تشذ عن هذه القاعة مهما بعدت أو اقتربت من المركز المفترض الكائن بين ملتقى النهرين؛ فقد تساوى الجميع في المليون ميل مربع في الصراخ بحثاً عن الكهرباء والمياه والعلاج المجاني، كأنهم على اتفاق مسبق لدحض أحاديث التنمية التي شنّفت بها حكومة الوحدة الوطنية آذان الناس في الشمال والجنوب وهي تمتدح ما أنجزته من كباري وبترول وطرق مسفلتة!. وكم كان الأمر مدهشاً للمراقبين الذين حضروا تدشين حملة الحزب الاتحادي الديمقراطي الانتخابية بولاية سنار خواتيم الأُسبوع الماضي، حينما اعتلت المنصة مرشحة ما في صفوف الحزب تدعى منى فاروق لتعبّر عن مكابدة سكان قرى كساب الجعليين وتكتوك وغيرها من القرى للعطش رغم احتضانها لخزان سنار، فقالت بقسم غليظ أعقبه استجداء: «والله العظيم ناس القرى ديل سيقتلهم العطش رغم مجاورتهم للخزان، والآن أطالب إنابةً عنهم جميعاً الحكومة أن تلتفت لهم ولمشاريعهم الزراعية التي جافتها الخضرة». ولم تكن عبارات منى فاروق سوى جملة واحدة من كتاب يُتلى عن غياب الخدمات، شاهدته في أهداب أطفال تفتح عيونهم آلياً من الرمد، وتلتصق جلودهم على عظامها لتحكي سوء التغذية وانعدام العلاج. وعايشته أيضاً في معاناة الناس لعبور جسر سنار الضيق في غدوهم ورواحهم بحثاً عن لقمة العيش وأشياء أخرى لا تستقيم الحياة من دونها، شاءت الأقدار السياسية ألاّ تكون جزءاً من قراهم، فكان الجسر لا يتسع في عرضه لغير سيارة واحدة فقط تنتظرها الأخريات حتى تعبر. غير أن الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي البروفيسور جلال يوسف الدقير قال إنه أكثر إحساساً بتلك المعاناة جميعها، وبدا شديد الامتنان لموقف الآلاف من مناصريه الذي ضغطوا على كل معاناتهم فرفعوا أعلام التأييد له وهتفوا باسم إسماعيل الأزهري في قريتيْ كساب الجعليين وتكتوك التي حملت لوحدها سعة (19) سيارة من الجماهير لاستقبال الدقير، فكان لسانه ذَرِباً بالوعود حينما كشف عن نيته تحويل مشروعيْ السوكي والرماش الزراعيين لصناعة السكر، إضافة الى إعمار مشروع المسرة بالتعاقد مع شركة صينية حتى يتمكن مواطنو المنطقة من مضاعفة دخولهم اليومية. دون أن ينسى الدقير التذكير بما تبقى من مشاريع تنموية تنوي حكومة الوحدة الوطنية إكمالها، وحذر قواعد حزبه من الاستجابة لمقاطعة الأحزاب المعارضة للانتخابات، واعتبرها مخرجاً وحيداً للتحول الديمقراطي. وأكد الدقير مقدرة مرشحي حزبه بولاية سنار وبقية الولاية على إحداث مفاجأة انتخابية ستكون حديث المراقبين. ربما كان الدقير محقاً في زعمه بالفوز، إلا أن العديد من القواعد الاتحادية التي استطلعتها (الأهرام اليوم) بكساب كانت غير عليمة بكيفية الاقتراع وتوزيع (8) بطاقات على صناديقها المعدة !
ومتي تركت سنار ناحية الجنوب الغربي فإن انعدام التنمية يشكل (تناصاً) مطلبياً لكل القرى التي تلتقيك حتى بلوغك ولاية النيل الأبيض، وتخومها البعيدة في الجبلين وتكسبون وأبوالدخيرة، فلم تكن هي الأخرى أقل حظاً في الإهمال عن نظيراتها، حسب ما شاهدته على بيوتها المتهالكة التي نسيتها يد التخطيط فباتت متداخلة في حميمية كأنها قصدت مؤازرة بعضها بعضاً في تلك الأصقاع عديمة الماء والكهرباء قبل أن يفلت منها التعليم والصحة منذ سنوات على حد تعبير رئيس الحزب الاتحادي بالنيل الأبيض ومرشحه لمنصب الوالي الدكتور معتصم العطا ليصبح النهران بهذا التوصيف بخيلان على من بينهما من ناس ومواشٍ وزرع. ولعل مأساة المنطقة جميعها هي التي دفعت مرشح الاتحادي الديمقراطي للدائرة القومية (5) أحمد أبوالدخيرة لإثبات مضمون المثل التهكمي: «حالة أخير منها العرس»، فاختار أن يكون مرشحاً تتزامن أفراح عرسه مع تدشين حملة الحزب الانتخابية فيحظى بتدشينين يحضرهما الأمين العام للحزب البروفيسور الدقير، فطاف أحمد أبوالدخيرة صيوان التدشين المعد في قرية أبوالدخيرة تتقدمه «سعفة وسيف» محمولتان على يدين مخضبتين بالحناء تبشران على زغاريد نسوة الاتحادي في ثيابهن البيضاء. ترتكز منطقة أبوالدخيرة على إرث صوفي ضارب في القدم أسسه شيخها الماحي أبو الدخيرة في أعقاب الثورة المهدية، فأصبحت منذ ذلك التاريخ ذات جذورأنصارية ساعدتها على أن تكون معقلاً لحزب الأمة، غير أن المتحرك السياسي جعلها مفتوحة علي بقية الأحزاب، فحطَّ فيها المؤتمر الوطني رحاله، مثلما وجد الاتحادي الديمقراطي ذات المساحة، فخرج منها زهاء (3) آلاف من سكانها استقبالاً للأمين العام البروفيسور الدقير مساء الجمعة الماضي الذي اصطحب في رفقته عدد من القيادات الاتحادية، مساندة لمرشحي الحزب، من لدن قوائم المرأة لغاية منصب الوالي الذين بلغ عددهم (63) مرشحاً، غير أن الدقير أقر في خطابه أمام الجماهير بإمكانية سحب مرشح حزبه لمنصب الوالي معتصم العطا لصالح مرشح المؤتمر الوطني يوسف الشنبلي، وترك الدقير الأمر لقرار المكتب السياسي بالولاية، الذي يجتمع في بحر هذا الأسبوع لهذا الشأن مع قيادات المؤتمر الوطني، بينما اشترط نائب الأمين العام للحزب بالولاية طيفور عطية في تصريح ل(الأهرام اليوم) التزام المؤتمر الوطني بالتنازل للاتحاديين عن مناصب تنفيذية بالولاية في حالة فوز الشنبلي في الانتخابات. ورغم احتمال سحب العطا في غضون هذا الأسبوع إلا أن الدقير كان أكثر تشديداً على مشاركة حزبه وجماهيره في العملية الانتخابية، بل زاد بتأكيده أن الاتحاديين سيفجرون مفاجأة انتخابية ما، وجدد التحذيرات لقواعده بعدم الانسياق وراء مقاطعة المعارضة للانتخابات، ووعد جماهير المنطقة بتوفير أكثر من 26 ألف وظيفة في مشروعي قفا وسابينا للسكر دون أن يكون الأمر مرتبطاً بانتخابات أو فوز فيها.