على جانب الطريق تتخذ السيارات العامة وضعيّة التوقف المؤقت لتمر مسرّعة سيارة الإسعاف بسرينتها (المزعجة) والمنبّهة للنّاس بأن هناك سيارة يجب إفساح الطريق لها لأنها تحمل بداخلها روحاً على حافة الخطر. ويعرف الجميع قانون مرور سيارة الإسعاف فيجنّبون لها على الطريق لتمضي بما تحمل، وبعضهم يتمتم بالدعاء للذي بداخلها. وما بداخل سيارة الإسعاف يكون سريراً يستلقي عليه المريض ودكة يستند عليها المرافق والممرض.. ويثبتون المريض من الوقوع على الأرضية من «دقداق» الطريق! وبعض السيارات التي تتبع لبعض المستوصفات الخاصة الراقية يمكن أن تحتوي بداخلها على أنبوبة أوكسجين للحفاظ على الهواء داخل رئة الحالة المنقولة، أما بقية الأجهزة المسعفة للحياة فلا توجد سيارة إسعاف مسرعة تحملها. ولّما توفى اللاعب المحترف بنادي المريخ (إيداهور) طرحت المذيعة المتميزة «ميرفت حسين» ببرنامجها «بحث عن هدف» وفي آخر ثواني البرنامج، هذا السؤال المزعج: ما هي مهمة سيارة الإسعاف.. هل تقوم فقط بنقل المريض بدون أي أجراء إسعافي له داخلها؟ وأجيبها - بعد كل هذه الأيام في البحث عن إجابة - أنها فقط عربة نقل مسرعة وفي أغلب الأحوال لا يكون المرافق بداخل العربة سوى متدرب على الإسعافات الأولية يمكنه إنعاش القلب بيدين عاريتين من المعدات المنقذة. وحالات كثيرة وغير مشهورة فارقتها الحياة في المسافة المسرعة لسيارة الإسعاف بين المشفى الذي خرجت منه والذي ستدخل اليه لإجراء إنقاذ لها لا يوجد في الأول! وينتهي الأمر بالرضا بالقضاء والقدر وأمر الله النافذ الذي لا نقاش يتم بعده أبداً.. وتنتهي كل المحاولات إسعاف السيارة المنقذة لحياة الناس وتبقى على حالها حتى سرينة أخرى تنقل حالة أخرى. وتتنوع أشكال وشركات سيارة الإسعاف والأحجام وبالضرورة أسماء المشافي التابعة لها السيارات وتتشكل بين الجديدة جداً وبين القديمة المعدّلة أو الممنوحة كهبة من منظمة خيرية أو كمحبة تبادل الهدايا بين المستشفيات.. لكن يبقى القاسم المشترك الأكبر هو خلو الطريق لها وخلو جوفها من أجهزة إنقاذ الحالات. سؤال بسيط جداًً طرحته على خمس من المستشفيات الطرفية والمركزية والخاصة - بشكل غير رسمي طبعا لأحصل على أجابة صادقة - هو: (عربية الإسعاف جواها في شنو؟) والإجابة تنوعت بين: (كيف فيها شنو؟ فيها عيان ناقلينو!).. (فيها نقالة وجهاز أوكسجين) والإجابة غير المريحة أبداًً أن سيارة الأسعاف توجد في آخر لائحة التطوير للأجهزة الطبية، وأن الميزانية الموضوعة لصيانتها الدورية لا تتعدى الماكينة وتغيير الزيت و(موية البطارية)، لكن الاهتمام بتحديثها ومطابقتها للمواصفات العالمية لسيارات الإسعاف التي تحل محل الطبيب في المسافة على الطريق.. فإنه لا يحدث لأسباب تتعلق بالمال فقط لاغيره ! إنه شأن قد يبدو لدى كثيرين جداًً ثانوياً لأن مفهوم نقل بالإسعاف لا يوجد لدينا ضمن الثقافة الطبية العامة ويتكفل كثيرون جداً بنقل مريضهم بمسؤوليتهم ووسائلهم الخاصة.. مادامت سيارة الإسعاف مجرد وسيلة نقل لا إسعاف داخلها كما أنها مدفوعة الأجر - وباهظته - لكن ضرورة الإسعاف لبعض الحالات الطارئة كحوادث المرور والولادات المتعسرة أو النقل الطبي من مستشفى لآخر هي ضرورة تحتمها المحافظة قدر الإمكان على حياة الحالة المنقولة، فإذا فقدت الحالة الأجهزة الداعمة لحياتها في المسافة فإنها ستتحول لسيارة مسرعة يفسح لها الجميع الطريق وتسرع بالحالة متفادية به زحمة الطريق وتكسبه بسرينتها ثوانٍ قد تنقذ بعد لطف الله حياته...