٭ في كل بلاد الدنيا بمختلف لغاتها ولهجاتها هناك مشاعر إنسانية مشتركة لا تختلف كثيراً في إطارها أو جوهرها إلا في تفاصيل قليلة، (يعني مثلاً ما في حب أمريكي وحب سوداني) فالمشاعر هي واحدة في أصلها، وإن كان الاختلاف في الطريقة أو الوسيلة التي تظهر بها هذه المشاعر. (وما في كذب ألماني وكذب ياباني)، فكلاهما ذات الخصلة، وذات الصفة، ولئن كانت الشعوب تختلف في مكوناتها؛ تبقى الموسيقى هي المكون الأول لعلاقة متينة تربط ما بينها، لدرجة أن الموسيقى هي الآن عند أهلها لغة معترف بها وإن كانت الموسيقى لغة تستوعب كل جوازات السفر فهي أيضاً ماعون لمعاني الجمال والمحبة والتسامح؛ لأنها أصلاً تنقي النفس البشرية مما يعلق بها من أتربة وشوائب، وبالتالي ينسحب ما وصفنا به الموسيقى على المتعاطين لها أو المشتغلين بها لحناً أو توزيعاً أو حتى أداءً (وما عارفة ليه دائماً بتعامل مع هذه الفئة) وأقصد الفنانين والملحنين والشعراء على أنهم كتل من المشاعر تمشي على قدمين ودائماً أتصورهم شفيفي الروح وضاربين الحياة بمعاركها ومشاكلها وصراع التنافس فيها «بالصرمة» ولعل حزب النغم الذي كونته جوقة من البارعين عزفاً وتأليفاً موسيقياً من الشباب في هذه الأيام الصعبة تحديداً لماً للشمل وتوحيداً للمشاعر يجعل ما قلته ليس مبالغة ولا جفاء للحقيقة لكن ولأن (الحلو ما يكملش) يظهر على السطح أحياناً شذوذ على الثوابت وخروقات عن المألوف بصورة منفرة ومستفزة تجعلك تتساءل هل الذي يتحدث أمامك أو نقل عنه الحديث، وهو من يغني للمحبة والتسامح والعطاء، هو ذاته الذي يتحدث بلغة أهل الغابة وبلغة الأنا وجرح المشاعر وإجبار الآخر على أن يتخندق ليوجه هو الآخر ما يمتلك من أسلحة؟ نعم (ممكن يحصل)! كما يفعل الآن الفنان زيدان إبراهيم الذي يوجه بتصريحاته إساءة جارحة للفنان الشاب شكر الله وهي في رأيي إساءات غير منطقية وتتعارض تماماً مع مكانته كفنان فهو في التجربة يسبق شكر الله بعشرات من السنين، وعمراً يسبقه بضعفها وبالتالي حتى إن كان له رأي في أداء شكر الله لأغنياته كان يجب أن يكون بطريقة مهذبة ولطيفة أكثر من لغة العكاكيز التي رماها أهل السياسة وعلى ما يبدو أنها (وقعت في حوش الفنانين). لكن المهم في رأيي والذي يجب أن نفتح فيه المجال واسعاً للنقاش؛ من هو الأحق بتقييم أداء شكر الله مثلاً لأغنيات زيدان؟ هل هو زيدان نفسه؟ أم شاعر الكلمات؟ أم هو الملحن؟ (ودي حأرجع ليها ثاني)، أم أنه الجمهور الذي هو وحده المعني، والمستقبل، والمستوعب لهذه الأعمال؟ وكنت أتوقع من زيدان أو غيره من الفنانين الكبار أن يتركوا التقييم للجمهور الذي هو الوحيد الذي يمتلك صك البقاء لأي فنان وإن كان شكر الله قد شوه أغنيات زيدان لما استمر أو تصاعد نجمه كما هو حاصل الآن! إذن (الحاصل شنو؟)، هل المسألة (غيرة فنية وبس؟)؛ لأن الأستاذ ليس رافضاً أن يغني شكر الله أغنياته في الأجهزة الإعلامية، لكن حتى في بيوت المناسبات، معقولة يا عندليب! وبمناسبة عندليب، «أضحكني» اعتراض زيدان على أن يمنح اللقب لشكر الله، وكأن شكر الله هو من سعى له أو ذهب لتغيير شهادة ميلاده ليكون العندليب شكر الله، وزيدان نفسه نسي أن العندليب عبد الحليم حافظ هو من سبقه في اللقب (ولو الحكاية كده) وبهذا القياس لما تركه النقاد في شمال الوادي «يتهنى بيه». ٭ أعتقد أن على الأستاذ العندليب «نمرة اتنين» حسب التسلسل العندليبي أن يكون أكثر فهماً لتوارث الميراث الغنائي، ولا أظن أن شكر الله يغني أغنياتك إلا عن محبة فخير لك أن تكسب محباً ومعجباً في قائمة محبيك حتى لو كان ذلك سبباً في تراجع «العداد». كلمة عزيزة نتجه هذا الصباح إلى صناديق الانتخاب ليس فقط من أجل أن نضع ورقة بداخلها، لكننا نضع داخلها مستقبل أبنائنا وأحلامنا وآمالنا وتطلعاتنا، ووصية لوجه الله، عليكم بالشجرة لأن تحتها «الحلة والسرير والزير». كلمة أعز بنص القانون أم بطبيعة الأشياء؛ من هو صاحب الحق في المنع أو السماح هل هو الفنان أم الشاعر أم الملحن؟ (بكرة نشوف).