احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    فلمو ينقذ الهلال من هزيمة موكدة .    الفرقة 19 مشاة مروي تعلن عن تمارين رماية وتدعو المواطنين للحذر    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    قرار مرتقب بإلغاء تخصيص 20% للنيابة العامة من الأموال العامة المستردة    خطاب مرتقب لرئيس الوزراء السوداني    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    تشيلسي ينجو من الخسارة    مبابي يعادل رقم كريستيانو    شاهد بالفيديو.. عامل فيها مفتح وأنا خاتة القروش في "الخُرج".. سودانية تحكي قصتها مع أحد أفراد عصابة "9 طويلة".. أعطيته "شنطة" فارغة وأخذت منه هاتفه الفخم    شاهد بالفيديو.. عامل فيها مفتح وأنا خاتة القروش في "الخُرج".. سودانية تحكي قصتها مع أحد أفراد عصابة "9 طويلة".. أعطيته "شنطة" فارغة وأخذت منه هاتفه الفخم    تعرف على القيمة السوقية للاعبي المنتخب السوداني المشاركين في أمم أفريقيا.. نجم الدوري التايلندي الأغلى.. صلاح عادل يتفوق على الغربال وروفا في مركز متأخر ب 100 ألف فقط    شاهد بالصورة والفيديو.. عروس سودانية تبهر الفنانة هدى عربي بعد أن شاركتها الرقص بطريقة ملفتة في حفل زفافها    شاهد بالصور.. بفستان أنيق.. زوجة الحرس الشخصي لقائد الدعم السريع الحسناء تخطف الأضواء في أحدث إطلالة لها    المظاهرات وحرب المناطق الرمادية و الأمن القومي    لإجراء عمليات نادرة.. فريقٌ طبي مصرى يصل بورتسودان    مكافحة التهريب بكسلا تضبط 13 ألف حبة مخدرات وذخيرة وسلاح كلاشنكوف    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    وفاة مسؤول بارز بناد بالدوري السوداني الممتاز    السودان.. اشتباكات مسلّحة في منطقة نفطية    اللواء الركن (م) أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: مقاربة ديسمبريون (رباطة) جنجويد (قحاطة)    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    شاهد بالصورة.. عروس سودانية تحكي قصة عن طيبة السودانيين: (كنت مضطرة أسافر يوم زواجي وكنت مكتئبة وبطني طامة..قابلت سيدة في الطائرة أخرجت "كيس" الحنة ورسمت لي حنة العرس ونحنا في الجو)    لتحسين الهضم والتحكم في الشهية.. ما أفضل وقت لتناول التمر؟    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    مدير عام الصناعة ولاية الخرطوم يزور جمعية معاشيي القوات المسلحة    استشهاد فردين من الدفاع المدني في قصف مسيّرات مليشيا الدعم السريع على محطة كهرباء المقرن بعطبرة    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    مكتول هواك يترجّل    "ونسة وشمار".. زوجة مسؤول بالدولة تتفوه بعبارات غاضبة وتعبر عن كراهيتها للإعلامية داليا الياس بعد إرسال الأخيرة رسالة "واتساب" لزوجها    تونس.. سعيد يصدر عفوا رئاسيا عن 2014 سجينا    البرهان يصل الرياض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    ترامب يلغي وضع الحماية المؤقتة للإثيوبيين    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    وفاة إعلامي سوداني    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    إدارة التعدين بولاية كسلا تضبط (588) جرام و (8) حبات ذهب معدة للبيع خارج القنوات الرسمية    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والمواد الخطرة بنهر النيل    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زيدان..فصول في سيرة الشجن(19432011)
نشر في الصحافة يوم 29 - 09 - 2011

عصية هي الكتابة تحت رزيم الحزن وعبرات الأسى وعسيرة الطلق تخرج الحروف من رحم الفقد والمأساة، مستحيلة هي المعاني التي تبتغي الاحاطة بمن خجّر المعاني (كنوز محبة). (سألتنيه رثاءً خذه من كبدي لا يؤخذ الشيء إلا من مصادره) لقد كان زيدان حياته وفنه مصدراً كونياً من مصادر الشجن غناءه يملك تلك الخواص الشعرية التي تحيل كيمياء المشاعر إلى تواريخ من الدمع والحنين، ملأت قلبه بالمحبة والدته تلك السيدة المبرورة التي سبقته إلى الدار التي لا ترقى إليها الأباطيل فأخذ منها اكسير المحبة فبات كنبع لا ينضب. ثم من قبل ومن بعد زيدان هو ابن العباسية ذلك الحي العريق الذي شكل مزيجاً لفرادة أهل السودان وامتزاج اعراقهم وملامحهم وثقافاتهم.
٭ الميلاد على مشاية الكاشف:
كأي طفل أمدرماني ولد زيدان ابراهيم شتاء العام 1943 وتشاء الأقدار في أمر يشبه الرؤية المستقبلية أن يكون الكاشف هو من صمم للصبي (مشاية) خشبية يخطو بها خطواته الأولى في الفن وفي الحياة ولم تكن والدته وهي تزور ورشة الكاشف بحي الموردة لتطلب منه (المشاية) أنها بهذه الزيارة قد حدّدت في لا وعي طفلها مصيره ومستقبله في دنيا الفن.. روى لي زيدان ابراهيم عليه رحمة الله أن طفولته وحتى سنوات الدراسة الأولية لم يظهر لديه أي ميل للغناء أو الموسيقى بل كان تلميذاً مجتهداً يحتل مكانه في مراتب متقدمة وان كان قد بدا اهتماماً خاصاً بحصة الأعمال وكان يحرص أن يقضي أوقات فراغه في تطوير مهاراته الفنية في مجال الفنون رسماً ونحتاً وبعض أعمال الطين وبقرار ما أوشك أن يختار الفن التشكيلي مجالاً لولا أنه لم يجد من يوجه هذه الموهبة ويرعاها ولكنه كان يسمع بأن (الصلحي) أحد أبناء العباسية فنان كبير.. واصل الفتى مجال الدراسة حتى المرحلة الوسطى وهي المرحلة التي بدأ الجميع ينتبه إلى صوت زيدان وملكاته كمطرب يحفظ ويردد أغاني الكبار.
٭ صراع الفن والمدرسة:
اذا كان ثمة نقطة تحول مفصلية في مسيرة زيدان الفنان فهي حين بدأ نهايات الخمسينات يغني في أحياء أم درمان يردد أغاني الكابلي ومحمد وردي وابراهيم عوض وتناهى إلى سمع ناظر مدرسة أم درمان الأهلية أن الفتى الوسيم المتفوق في الدراسة يغني في ليالي أم درمان بل يحيي حفلات الأعراس واسمه يتردد على شفاه حسان أمدر وصباياها.. الناظر أراد أن يضع حداً لكل ذلك فخيّر زيدان بين أمرين الغناء أو المدرسة فاختار زيدان الاولى وضحى بالدراسة التي كان من المكن أن تفتح له أبواب المستقبل واي مستقبل؟! فقد كان يكفي أن تتخرج من الثانوي لتفتح لك أبواب (الميري) ولكن في نهاية الامر ما أكثر الأفندية وما أقل الفنانين.
٭ دار الاذاعة ابريل 1963:
لم يكن الطريق إلى الاذاعة مفروشاً بالورود وكان دخول الاذاعة واجازة الصوت أوائل ستينات القرن الماضي نفسه معياراً يحدد من هو الفنان من غيره ثم ان اجازة الصوت لا تعني الضرورة الاستمرارية والنجاح لا يعني الثبات بل البقاء في القمة، وعى زيدان كل تلك التحديات وصمم أن يجتازها بعد أن أحرق سفن العودة إلى المدرسة ولم يعد أمامه غير الفن وجهة بإزاء المستقبل ولكنه قبل التحدي واجتاز تلك المحطة.
٭ بصمة الستينات:
ستينات القرن الماضي أشبه بعصر النهضة في كلاسيكيات الفن الأوربي كانت الاوركسترا في قمة مجدها.. أوركسترا الاذاعة.. تسجيلات الصوت تسجّل أعلى درجات النقاء صناع الكلمة واللحن كانوا شباباً.. الأمة السودانية خرجت من عصر الاستعمار إلى تأكيد الذاتية السودانية وصياغة الهوية، الوطنيات الكبرى.. الألحان الخالدة عثمان حسين، حسن عطية، أحمد المصطفى، التاج مصطفى، يدفعون عبر الأثير ثمار نضجهم الفني وتجاربهم في الغناء والموسيقا والعندليب الاسمر وسط هؤلاء العمالقة يخطو خطواته الأولى كان لابد من طريق مختلف رؤية مغايرة تجعل الفن (يفج) الصفوف ليجد مقعداً ومكاناً تحت دائرة الضوء.
٭ رهان الحداثة:
راهن زيدان منذ البداية على المفردة الجديدة ولونية الألحان المختلفة الألحان التي تجمع بين الشجن والعذوبة والتطريب والرشاقة الايقاع في أن معاً.. (فراش القاش) لهلاوي مثلاً كانت تجربة مغايرة.. أهي أيقونة وطنية؟!أهي حديث عن النهر/ أم هي مناجاة لمحبوبة رمزية تجمع بين الرمز الصوفي للفراش الذي يحترق في ذات المحبوب فيهوى إلى النار وهو يدرك أنها تحمل موته؟! هل فراش القاش توثيق لسيرة كسلا كمكان وزمان؟! من كل هذه المعاني المختلطة الغامضة اكتسبت الأغنية خلودها وقدمت زيدان كمطرب مختلف. أتبعها هلاوي لو تعرف اللهفة والشوق والعذاب وهي من ألحان زيدان أيضاً.. ثم بقية عقد الروائع (غرام الروح) لمصطفى عبد الرحيم (ولو احبك) لدسوقي محمد خير (وبالي مشغول) لعوض أحمد خليفة، ألحان ود الحاوي.
٭ الرومانسية العائدة:
نستطيع القول باطمئنان انه اذا كانت موجة الرومانسية الأولى على قمتها عبد الرحمن الريح والثانية على قمتها بازرعة واسماعيل حسن فان زيدان هو محور الرومانسية الثالثة في مسارات تطور النص الغنائي السوداني مع ملاحظة أن مجموعة الرومانسيين الذين كتبوا لزيدان ليس من بينهم (الحلنقي) سليل المدرستين الأولى والثانية في الرومانسية السودانية المعاصرة. فجيل الشعراء الشباب الذين انضموا لمشروع زيدان هم (التجاني حاج موسى وهلاوي وكباشي حسونة وجعفر محمد عثمان بجانب بعض المخضرمين كعوض أحمد خليفة وسيف الدين الدسوقي ومرتضى صباحي.)
٭ سحر المغني:
تعامل زيدان بجانب الألحان التي صاغها هو على مجموعة من الملحنين الذين توهجت آثارهم عبر صوته الساحر الشفاف وترك هؤلاء علامات فارقة في خارطة الغناء عبر عبقرية صوت هذا المغني فعمر الشاعر مثلاً لحن ليلة وداع من كلمات الشاعر بابكر الطاهر شرف الدين والتي اشتهرت باسم (في الليلة ديك) وأغنية (سر جمالك) لمحمد جعفر عثمان (وعمر السنين) لجعفر فضل المولى ومعظم أغاني التجاني حاج موسى باستثناء أغنية (السنين والعذاب) التي صاغ ألحانها الفاتح كسلاوي. من أميز أعمال كسلاوي (دنيا المحبة) وهي من الأغاني المفضلة لزيدان ابراهيم نفسه فنادراً ما يستضاف في لقاء اذاعي أو تلفزيوني أو مناسبة عامة دون أن يغني هذه الأغنية. باستثناء اشعار التجاني حاج موسى لحن عمر الشاعر لمرتضى صباحي (هانت الأيام عليك ولا هنت عليك أنا).
٭ الرسم بالكلمات:
في خارطة المشروع الفني لزيدان تبرز توقيعات هنا وهناك لأسماء من الملحنين والشعراء كتوقيع الموسيقار أحمد زاهر على كلمات أبو قطاطي (أكون فرحان يوم تكون جنبي). وتوقيع للشاعر مهدي محمد سعيد (حبيب ما سألناه) وهي من فصيح الغناء وآخر للشاعر العربي الكبير عباس محمود العقاد (بعد عام) ومصطفى عبد الرحيم (غرام الروح) ولهذا الشاعر مزايا سحرية غامضة تجد درره منثورة على أصوات مغنيين أفذاذ لأغاني ناجحة ولكنه مقل فله مثلاً عند ابراهيم عوض أغنية (تذكار عزيز) وكتب لأحمد الجابري (هوج الرياح) وهي من الأغاني الكبيرة.. من الشعراء الذين وقعوا على صوت زيدان بشير عبد الماجد عبر رائعته (كنوز محبة):
(أبقى أسأل عن قلوبنا
تلقى فيها كنوز محبة)
وقع زيدان بصوته على سيرة عدد من المطربين على رأسهم الفنان عثمان الشفيع (الذكريات) وغيرها بل أصدر هو والفنان الخالدي البوماً تذكارياً لعثمان الشفيع أغنية (يا خائن) للطاهر ابراهيم وجدت طريقها إلى صوت زيدان ويكاد البعض يعرف هذه الأغنية عبر صوت زيدان أكثر من ابراهيم عوض مغنيها الأول. وزار زيدان حدائق الكابلي وقطف منها (ساحر لونو أسمر) ووردي وكان رحمه الله معجباً بأغنية (سفري) لأحمد المصطفى وكثيراً ما سمعته يدندن بها فلما سألته عن سر تعلقه بهذه الأغنية قال لي الأغنية دي لحنها عجيب فعلاً بدون ما تشعر تلقى نفسك ترددوا!! من الملحنين الذين زاروا موقع زيدان بشير عباس عبر أغنية (الحب الكبير) للتجاني حاج موسى وعلاء الدين حمزة عبر أغنية صافيني كلمات حسين جقود.
٭ زيدان الانسان:
رغم نجوميته وشهرته التي طبقت الآفاق ظل زيدان سودانياً بسيطاً متواضعاً يحب الفقراء والمساكين ويأنس بهم ملتصقاً بالعباسية عاشقاً لتيمها مشجعاً له غالباً أو مغلوباً. لا يعني المال بالنسبة له شيئاً محباً لأعضاء فرقته الموسيقية يتفقد احوالهم ويرعى مصالحهم ويدافع عنهم بشراسة ولا يهادن ان مس أحد حقوقهم وكانوا جزءاً من أسرته الصغيرة.. زيدان مثقف ملم بكل تاريخ الأغنية العربية من لدن عبد الوهاب وحتى عبد الحليم حتى لقب في سبعينات القرن الماضي بالعندليب الأسمر أسوة بالفنان عبد الحليم لقوة احساسه بالشعر ومعانيه ورقة احساسه وقدرة صوته على النفاذ إلى أعماق النفس البشرية. عاش زاهداً عفيفاً كريم السجايا حلو العشرة مرحاً ذكي النكتة لماحاً. اللهم ان عبدك زيدان جاءك راجياً رحمتك طالباً مغفرتك اللهم تقبله عندك القبول الحسن وألهم آله وذويه ومحبيه الصبر وحسن العزاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.