مارسنا حقنا كما يجب في ما تعلق بحرية الصحافة وثقافة الرأي والرأي الآخر. وحققنا - بشكل ما - وصايا الدستور النّاصة بالممارسة ذاتها، ورغم خروقات طفيفة هنا وهناك (تطعّم) هذه الحقوق وتعرف بطريقة قانونية الذين يعتقدون أن الحرية الصحفية تعني بطريقة ما الإساءة والتطاول على الآخرين - أياً كانوا - دون أدنى دلائل واقعة تبين الحقائق. وفي جو شبه معافى أتيحت لكل من يأنس في ميزانيته كفاءة إنتاج صحيفة أن يمنح التصديق لذلك بالشروط المنصوص عليها في قانون الصحافة والمطبوعات.. وكان أن أنتجت العقلية الاقتصادية الوطنية - التي كانت لا تغامر أبداً في هذا المجال - الكثير من الصحف السياسية والاجتماعية والرياضية التي بلا شك أثرت على الجو العام السوداني وفتحت نوافذ مشرعة تجاه الحريات وحقوق الأفراد في التعبير والكتابة والنقد.. بل ونهضت بأكثر من ذلك بفتح أعين المسؤولين - المظللة - نحو مدى واسع على هموم الناس وشؤونهم وحاجاتهم ومظالمهم. كما أنها ضمنت للآلآف المتخرجة في كليات الإعلام والصحافة شبه وظائف كمتدربين أو متعاونين أو محررين ثابتين يؤدون بطريقة ضمنية قسم العمل بما يرضي ضمائرهم الصحفية أولاً أو ضمائرهم الانتمائية في العمل أو الحياة أو الخ... والعقلية الاقتصادية بشراكة ذكية مع رموز صحفية مقدّرة ومقتدرة تكفلوا بتوفير أوضاع اقتصادية أفضل للصحفيين حيث كانوا - في قديم الزمان - في هامش الحقوق الوظيفية والقانونية التي يتعرف عليها مكتب العمل فيساعدهم في أخذ حقوقهم من الذين تأمرهم أنفسهم بسوء هضم الحقوق المادية ثم القسم بأغلظ الأيمان أنهم لم يروهم يوماً ما ! وشهدنا بحمد الله وفضل عقول صحفية آثرت العمل الطوعي الصحفي لاكتساب كل هذه الحقوق، كل هذه الصحة على جسم الصحافة في السودان، وأصبحت مضرب مثل جيد كصحافة دول عالم ثالث من حيث الصناعة والطباعة والإنتاج الصحفي والجودة العالية في الإخراج الفني والتصميم، بجانب البراعة والموهبة الصحفية التي يتميز بها صحفيو السودان، ومما لا شك فيه من حيث الحرية في الرأي والرأي الآخر، الشيء الذي فطنت له مؤخراً الدولة فأزاحت الرقابة المفروضة على الصحف من الأجهزة الأمنية، وأسلمت وجه المعالجة لقوانين المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الذي مهما اختلفنا حوله يبقى رسمياًً ومهنياً هو الجهة المباشرة في المقاضاة لا غيره. واستسلمت الدولة لانفتاح صاحبة الجلالة على الرأي العام غير الضار - كما كانت تظن - الذي سلّمها الكثير من الأذى المختفي كان تحت قبعات الولاء وأقنعة المسالمة والانحياز! بل وجلست متربعة على كرسي الفخامة في هذا البلاط إما بمتابعة الإنجازات أو باللقاءات أو الأخبار والمتابعات أو خطابات القراء.. وقطفت ذات الدولة ثمار المفهوم المنفتح للحرية الصحفية وساعدها ذلك في تمكينها أكثر مما كانت تعتقد في قديم انغلاقها على نفسها. وفي هذا الجو المعتدل الطبيعي الذي يوسّع مجاري هواء الحريات في الرئة السودانية المنفتحة ويدخل على العقلية المثقفة كميات من الأوكسجين النظيف الذي يجعلها تميّز النافع فتأخذه وتهجر الضار.. سطع ضوء غير خافت منذ انبلاجه كاتباً على جدار الصحافة السودانية وبحبرسائل صحيفة (الحقيقة) وتركها تجف تحت شمس الحرية كما شاء لها مزاج الرأي العام السوداني المتعطش لرؤى وكلام الحقيقة. بعقول شابة وأقلام طموحة ذات مواهب صحفية إن كان بالممارسة أو الدراسة.. زاد عددنا واحدة من الصحف الجديدة في إنتاجها.. القديمة بأسماء أعضائها، وزادت معها قوة عيننا الصحفية ويدنا كذلك للبحث عن الضار لفضحه ونبذه والجميل لتأكيده ونشره كحقيقة. { جانبي: ولأن التقصير الاجتماعي مصاحب للصحفي بجانب شؤونه الخاصة أبعث من زاويتي تهنئتي للزملاء في صحيفة الحقيقة.. ومن كل القلب والعقل المهني أدعو لكم: موفقين بإذن الله..