محض صدفة تلك هي التي جعلته يتحوّل من مطبعجي يقف خلف ماكينة الطباعة، إلى شخص يطوِّع بيديه وأدواته البسيطة -المكوّنة من الورق الأبيض والكرتون ومادة اللصق - الموضوعات المنشورة على صفحات الصحف إلى تاريخ للصحافي والصحف السودانية في مجلد .. العم ميسرة إبراهيم صالح ابن الموردة الذي لم تتجاوز دراسته المرحلة الوسطى، دخل إلى مجال أرشفة الصحف منذ العام 2000م .. روى ل(الأهرام اليوم) حكايته مع دخول عالم الأرشفة الصحافية وقال إن بدايته كانت عن طريق (جورج) زميل العمل القبطي بمنظمة (سولو) بالخرطوم الذي نصحه بعد أن لاحظ براعته في أرشفة أحد دفاتر الشركة بالتوجُّه إلى العمل في أرشفة الصحف ليجد طريقه بواسطة (الولا) شقيق جورج الذي كان يعمل في أرشفة صحيفة الرأي الآخر والتي وجد الرجل بعد توقُّفها يد الأستاذة آمال عباس تمسك به حينما طلبت منه أن يقوم بعمل الإرشيف لصحيفة الصحافة في بدايتها.. بعدها شقّ عم ميسرة طريقه ليجد نفسه - بحسب ما قال- وهو يصمم إرشيف أكثر من 20 صحيفة آخرها (الأهرام اليوم) وكان قبلها العديد من الصحف السياسية والرياضية والإنجليزية. عم ميسرة اعتبر أن مايراه من ملاحقة مستمرة للصحافيين وراء الخبر أو التحقيق والبحث عن المعلومة وإخراجها على الصحيفة، هو ما كان دافعه وراء الإصرار على العمل في الأرشفة الصحافية والتمسُّك بها للدرجة التي جعلته يترك عمله السابق في المنظمة والانشغال بالعمل الصحافي، وقال إنه يرى أن الصحيفة يمكن أن تفنى وتتمزّق ولا يبقى للصحافي من تاريخه شيء يذكِّره بما مضى سوى عمله. وأردف عم ميسرة (حرام مجهود الصحافي يضيع ساي) ويجب أن يبقى لأجيالهم.. الفضل يرجع للأستاذة لبنى أحمد حسين، هذا ما أكده لي العم ميسرة حينما قال إنها هي التي اقترحت عليه أن يقوم بأرشفة أعمال الصحافيين وساعدته في اقناع أعداداً مقدرة من الصحافيين والصحف لتزويده بموضوعاتهم المنشورة على صحيفة الصحافة وصحف أخرى لتفتح له الطريق للتعرُّف على أعداد هائلة من كبار الصحافيين والمثقفين في البلاد. عم ميسرة ومن غرفة صغيرة بمنزله يستغل ساعات الصباح الباكر والأمسيات يسابق الوقت ليحوّل قصاصات الصحف التي يأتي له بها الصحافيين أو الصحيفة ليقوم بلصقها بحسب حجم المادة الصحافية تحقيقاً كانت أو عموداً لكاتب أو حواراً أو خبراً على مجلد. تصل التكلفة الخاصة بالصحيفة منه إلى (40) جنيهاً بينما يصل الخاص بالصحافي إلى (20) جنيهاً، ذلك المجلد يُعد مُسبقاً من الورق الأبيض بحجم (80) جراماً ومن ثمّ اخضاع المجلد للنظافة والتغليف قبل أن يتم تسليمه للصحافي أو الصحيفة.. أثناء تلك الرحلة العملية التي تتطلب 15 يوماً للفراغ من المجلد، يجد العم ميسرة نفسه يتوقف للحظات لقراءة ما يستهويه من مادة صحافية ليُكمل بعدها عمله بشيء من الاستمتاع يمنحه الدافع للمواصلة، وفوق ذلك ما وجده من معاملة واحترام وتقدير من قِبل أولاده الصحافيين والتي قال إنه يعتبرها أعظم من أي عائد مادي لكونه يساهم في توثيق وحفظ إرث عظيم وكبير للصحافي يشعره بالراحة النفسية تجاه أبنائه الصحافيين على حد قوله.