{ لم أملك إلا أن أحترم رغبة الأخ الزميل العزيز الهندي عز الدين في الترشُّح للبرلمان القومي عبر الدائرة (13) الثورات، وعلى أي حال هي تجربة خلقت الكثير من الجدل، أعني تجربة ترشح الصحافيين للبرلمان، وربما كان النموذج الأفضل لذلك تجربة الأستاذ الصحافي محمود بكري رئيس تحرير صحيفة (الأسبوع المصرية)، فكثيرون يذهبون إلى أن الرجل بكري الذي كسبته الصحافة العربية، كصحافي جرئ وصاحب أطروحات أممية باهرة، لقد تاه صوته في البرلمان المصري الذي يهيمن عليه الحزب الوطني الحاكم، وكان أفيد ألف مرة أن يُسخِّر الرجل وقته لقضايا الشارع المصري. أيضاً هنالك تجارب سودانية صحافية، وفي المقابل ليس هنالك جهة تملك حق حجر الصحافيين من الترشُّح والدخول إلى البرلمانات، والبرلمانات التي يُناط بها أعباء التشريع وإقرار القوانين المختلفة لشؤون الدولة والمجتمع، هي الأخرى تحتاج للإعلاميين كما تحتاج بقية شرائح المهنيين من مهندسين وأطباء وقانونيين، وبرغم كل هذه المسوّغات إلا أنني أجد نفسي دائماً مع خيار (الإنتماء لبرلمان الصحافة)، على افتراض أن ما يقدمه الصحافي عبر منبر (السلطة الرابعة) من خدمة لقضايا الأمة، قد لا يستطيع أن يقدمه عبر كل البرلمانات، وقد يجد عضو البرلمان فرصة للحديث وإبداء الرأي في كل شهر مرة أو مرتين، لكن برلمان الصحافة في المقابل يتيح للصحافي، أن يخاطب الأمة يومياً، أن يخاطب قضاياها، بل لا أعرف برلماناً بإمكانه أن يحاكم (برلمان الشعب المنتخب) غير (برلمان الصحافة)، فبإمكان الصحافة أن تزلزل الأرض تحت أقدام البرلمان المنتخب، بل من سيحاكم البرلمان ويعرّيه إن هو عجز عن محاسبة الجهاز التنفيذي وتقاعس عن القيام بمهامه الأساسية، فلعمري من يفعل ذلك غير (برلمان الصحافة)؟. { لهذا وذاك كانت قناعتي دائماً، أن عروش الحكومات والبرلمانات يمكن أن تُزلزل بفعل (أسنة الأقلام)، ولنا تجارب سودانية ماثلة للعيان، فلا يزال السيد الصادق المهدي يحمّل (صحيفة ألوان) مسؤولية انهيار (التعددية المنصرفة)، وبرغم أن أكثر من أخ مُشفق قد حرّضني.. بقوله (اذهب لصديقك الهندي وأثنيه عن قصة النيابة هذه)، لم يتحدثوا عن الفوز أو عدمه، ولكنهم كانوا مُشفقين على هذه التجربة الصحافية الوليدة. { لم أُحدِّث الأخ الهندي في هذا الأمر، وأنا أعرف أن الرجل الهندي إذا أقدم على شيء لابد أن يذهب به إلى نهاية الشوط، وقد عملت مع الرجل على مدار أربع صحف، ولكل عهد وصحيفة ألقها ومدرستها، وهي صحف (ألوان، الأنباء، آخر لحظة ثم الأهرام اليوم)، وتحضرني هنا حكاية شاهقة، والشيء بالشيء يُذكر، في الانتخابات الفائتة تفاجأ الاتحاديون بأن (الشريف ودبدر) يترشح عن (حزب الجبهة الإسلامية)، فأتوا بالخليفة عثمان يرحمه الله من (أم ضبان) إلى الجزيرة ليقنع ابن أخيه الشريف بأن يترشح اتحادياً، وكان الأب حصيفاً جداً وهو يعلم أن ابنه منظم في كيان الإسلاميين منذ الجامعة، فقال لهم.. (والله يا جماعة كتِّر خيركم.. لكن الشريف ولدي إذا لفّ عمته وتوشّح شاله.. الداير بسويه بسويه وما برجع منه تاني)! { أخي الهندي.. تعال نجعل من (برلمان الأهرام) برلماناً أطغى وأجبر من كل البرلمانات.. تعال نحرس قضايا الشعب وموارده وأشواقه (برماح أقلامنا)، تعال نزلزل الأرض تحت أقدام الولايات والمحليات والمعتمديات.. بمانشيتاتنا وخطوطنا الحمراء.. بتحقيقاتنا وتقاريرنا واستطلاعاتنا.. بفن الكاريكاتير.. (بأعمدتنا المسلحة). { وننشر الفرح ونغرس الأمل في أفئدة الأجيال القادمة.. أن نصون، وببرلمان الأهرام، صحن الزعيم الأزهري.. (بلا شق وبلا طق).. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.