{ كتبت الأستاذة داليا إلياس في عمودها المقروء «اندياح» باستفاضة عن الحب، في مقالها بعنوان «أبداً لم يكن حباً»، وتطرقت لمعظم تعريفات الحب المعروفة، وخلاصة أقوال الفلاسفة والكتَّاب، وفطاحلة الحب والغرام، واستعرضت أكثرها قرباً من الواقع، ويظل الحب ذلك الشيء المبهم الذي يحتاج شرحه لمجموعة كبيرة من الصفحات والكلمات، ولا يفهمه إلا الذين عاشوه، فالحب تتجلى روعته بأنه كلمة جامعة لكل المعاني السامية، تحكم التصرفات والكلمات تجاه المحبوب، وتجعلك مقيَّداً بنبل تعابيره، وسمو أخلاقه، حراً طليقاً، تعبر متاهاته، تتذوق شهده وتكتوي بناره. والحب باقٍ، كلمة تجعل الشوق عذاباً كلما باعدت بين الأحبة الأقدار، وبلسماً تجري به على بحور المسافات، وتحتمي به من أعاصير الظروف، وتداوي به قلبك الملكوم، بينما تتقاذفه أمواج الذكريات حتى تصل إلى شواطئ الوصال. { ومن إعجاز الحب أنه لا يمكن التنبؤ به، أو معرفة مقداره، وما حجمه، أو كميته، ولا توجد له وحدة قياس محددة، ولو ترك لي الخيار؛ لاعتمدت (ريختر) مقياساً للحب؛ لآثاره الزلزالية على روح الإنسان، ومشاعره، وعواطفه، وحتى تصرفاته وأفعاله، فكم روَّض الحب وحوشاً، وكم أخضع الحب جبابرة، وعليه فليس من حق أيٍّ كان أن يحكم على حب إنسان آخر، وأن يتطاول على ما يحتويه قلبه من عشق وهيام، فالناس وإن أحبوا فإنهم يختلفون، منهم الصبور ومنهم الغيور ومنهم الرومانسي ومنهم معسول اللسان (حنّاك يعني) ومنهم الخجول، ومنهم من لا يجعل للتضحيات حداً، ومنهم الأناني. فالحب لا يقاس بكمية الورود والهدايا، ولا يقاس بساعات بقائهم سوياً، ولا يقاس بالابتسامات والنظرات المتبادلة، ولا حتى نسبة هدوء العلاقة، ولا يقاس بالصور والحروف. { «قد كان حباً» فالصداقة حب، والزمالة حب، والأخوَّة حب، وكل العلاقات المثمرة بين أي طرفين كان الحب ثالثهما، حتى الإيمان وعلاقة العبد بربه. وأعلم أن الأستاذة داليا لم تقصد حب تلك العلاقات، من زمالة وأخوَّة وصداقة (اصبروا ليّ حبّة)، بل قصدت الحب الناشئ بين الجنسين (جِكْس يعني) الذي تكون ثمرته زواجاً أو يتوج فشله (بشاكوش)، «كفانا الله وإياكم شر الشواكيش وتبعاتها»، ومع اتفاقنا شكلاً ومضموناً مع معظم ما خطه يراعها من آراء وأفكار، شاكرين لها أنها زادت على موسوعة الحب تعريفاً هو «الحب الحقيقي الصادق (سيد الاسم) قائم على التقدير والامتنان وقبول الآخر بما هو عليه والتضحية لأجله والاجتهاد في إسعاده» إلا أن أوجه الاختلاف معهما ثلاثة: 1. «الحب لا يصمد كثيراً في وجه الفروقات»: رغم أن الحب هو الدافع والمحفز والمشجع نحو التحديات والصعوبات ولا يبالي بالإخفاقات الظاهرية، فحتى وإن صعبت التحديات وعظمت السدود والموانع؛ يترتب على ذلك فشلٌ في إنشاء العلاقة الرسمية أو الشرعية، فهذا لا يعني أبداً أنه لم يكن حباً أو أن الحب لم يصمد، بل يعتبر من أنقى أنواع الحب وأصفاها على الإطلاق. 2. «فالنظرة الأولى ليست حباً، قد تكون إعجاباً أو اشتهاءً أو أنانية»: والمدعو الحب من النظرة الأولى قد كثر فيه اللغط والآراء والتكهنات والتشكيك في مصداقية وجوده، ومن رأي الكاتب الشخصي و(تنظيره) أن حب النظرة الأولى ما هو إلا كناية عن إعجاب من النظرة الأولى من ثم تعارف ثم حب عن يقين وإخلاص، وعليه فإن «حب النظرة الأولى» (حب كامل الدسم) كأي حب عادي، بداية من الإعجاب ثم مروراً بالتعارف الذي يبين الصفات المشتركة والميول، إلى آخر تجانس الخليط كيميائياً (كيمياء وكده) ثم الحب. 3. «وإذا كان اعتيادك على زميل أو زميلة الدراسة أو العمل أو ابن أو ابنة الجيران واتفاقكما على العديد من الآراء والقناعات وهواياتكما وميولكما المشتركة يدفعكما للاعتقاد بأن هذا هو الحب»: وماذا لو تطابق هذا الحب مع التعريف أعلاه للأستاذة داليا، أي لو كان هذا الحب المعتقد قائم على التقدير والامتنان وقبول الآخر بما هو عليه والتضحية لأجله والاجتهاد في إسعاده.. ألا يكون حباً؟ وكما أحزنني جداً ما جاء في هذه الفقرة «وإذا كنتم قد سمعتم كثيراً عن الحب الذي انتصر على فروقات السن والمستوى المادي والاجتماعي؛ فاعلموا أن أبطاله قد اكتشفوا خطأهم الكبير ولكن ربما يمنعهم كبرياؤهم أو ظروفهم من الاعتراف بالفشل والإخفاق. لذلك يحاولون أن يجمّلوا لنا الصورة ويظهرون لنا وكأنهم في غاية السعادة والوفاق خوفاً من الشماتة والشفقة». فقد حكمت الأستاذة داليا على الجميع بلا استثناءات، وهذا مما لا يصح أبداً بل واتهمت من يظهرون السعادة بأنهم يكتمون خطأهم خوفاً من الشماتة والشفقة وهذا تجن واضح وإجحاف كبير في حق حبهم وسعادتهم.. وشكراً. أحمد عبد الكريم سر الختم حيدرأباد الهند - هندسة كهرباء وإلكترونية تلويح: أسعدني جداً أن يكون أحد قرائي من وراء المحيط، ومهما اختلفنا في وجهات النظر يبقى تقديري لفكره الوثاب ولغته الجميلة واهتمامه. فله التحية والاحترام على أمل دوام المراسلة وشكراً حميماً، أحمد. ورد الله غربتك غانماً.