السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    عيساوي: حركة الأفعى    أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متاهة الانتظار على مرافئ الزمن الحزين. اعترافات في حضرة جناب الوطن(4-6). بقلم: د. أبوبكر يوسف إبراهيم
نشر في سودانيل يوم 07 - 02 - 2012


بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: (هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) .. الآية
هذا بلاغ للناس
منقول: قراءات في حزن د. أبوبكر يوسف إبراهيم ( للأديب مجدي عبدالرحيم فضل)
توطئة:
 عندما تكتب عن الوطن لتبثه لواعج حبك ومعزتك وفخرك به فإنما تكون الكتابة الإبداعية أو النقدية هي سنام الكتابة والتفنن في تلوين الحرف، و شكل بديع عندما يستخدمها الأديب أو الناقد بمحبة ومهارة جمالية. ساعتها تنعكس عليها ظلال نفسية الكاتب وتجعل القارئ يستشف من خلالها هذه الظلال. سرت في تجربة شظايا النقد والأدب أحاول المجازفة لتجاوز القوالب اللغوية الجاهزة ساعياً وراء تفجير قاموس لغوي حميمي يتلون بلون مشاعري ويتشكل بشكل رؤاي وأفكاري واخترت أن يكون الوطن هو ذاك الكيان الذي لا يعدله في الحب أي حبٍ آخر ، يتقدمه حب الله ورسوله ثم يليه أمي وأهلي فلذاتي. هناك في رصيف المحطة الوسطي كنت أتجول مع القصيدة كشاهد على العصر حيث يتبارى شعراء السودان ليتغنوا باسمك الذي احمل بين أضلعي وفي عمق وجداني رغم آلام الانهيار منذ العام 1967 والتفت في زوايا حياة الأمة فكريا ووجدانيا. عانيت ككل إنسان سوداني يحب الوطن ويقدمه على ما سواه من وخز الأيام ، فبدأت في كتاباتي أصارع التعسف والقمع والطغيان المسلط على الشعب متسامح طيب عفوي أبي!! نزفت مشاعري كثيراً حزناً على وطنٍ شامخ جدير بحب الجميع وتقديسه، ولكن الانتماءات العصبية والجهوية بدأت تتفجر لأن النخب الحاكمة يومها ما كانت لتنظر أبعد من مسافة قدميها في أحسن الأحوال والمعتاد مسافة منخارها !! ، لأنها لم تكن تؤمن بحتمية التاريخ والتطور الانساني والحضاري، وما كان في حسبانها أن الصغير سيكبر، وأن الأمي سيتعلم، وأن آفاق العلم والثقافة والمثاقفة تبني رأياً عاماً وتزرع الوعي.. نخبٌ كانت في غيبوبة ثملة لأنها ترتشف من كأس عنفوان التربع على كرسي الحكم، واعتقدت في ضلالٍ أنها وُلدت لتحكم وأنها شريحة مميزة تعتقد من السادة!!
 في المحطة الوسطى بدأ الوعي والادراك بالوطن ، فثمة أجراس تدق في محارة الروح، وصرت أعوض رناتها المزمنة في المطالعات في مختلف المجالات. حتى التقيت بالنخب المثقفة فأدركت وتعرفت على وعيي من اللآوعي، وأدركت أن هبة المعرفة لم يكن يوما حلمًا أو اختيارا، بل جاءت قدرًا حتمياً لتشعل جذوة الكتابة التي كانت عشقا سريًا، فكتبت في أول الأمر الخاطرة والمقال بلغة فولتير وهوجو. ونشرتها في المواقع الاسفيرية حينما شعرت بأنه قد آن أوان أن يطلق سراحها وعندما قال لي الراحل صلاح أحمد إبراهيم : الابداع ليس ملكية شخصية إنها مشاع وملك للآخرين، كان ذللك في منتصف عمر مغتربي، وأثناء متعتي بانتصاري الصغير بأن أنشر ما أكتب واجهت صراعا لم أتوقعه والمتمثل في الحرب الضروس بين التيار الذي يحلل لنفسه الحرام وبين التيار الذي يؤمن بأن الوطن خط أحمر، ووجدتني هكذا متهم بالانتماء للتيار الاسلامي وكيف لا أكون وأن السوداني بطبيعته هو ذاك المسلم المتصوف، وتساءلت ما سبب هذه المعارك الغبية فهويتنا سودانية منذ الدوام، نحن أمة أقرت بثقافتها الإسلامية العربية وبهويتها الأفروعربية . أين العرب العاربة ؟! ألم يحتل موقعها كل المستعربة؟! أين ذاك العرق العربي النقي المطلق؟! فإن كان أصلاً قد انقرض، فلماذا نوقظ الأموات لنبرر قتلنا لبعضنا؟!!
 لا بد للكلمات من أن تسكن صفحات الكتب لتصبح الكلمة تاريخ، ويسكن صدى أوجاعها شغف قلوب قارئيها لا ذاكرتهم المعلبة....لا أكتب عن معاناة الغربة للمغتربين فقط حتى تلملم أوراقي دموعهم، وتطلق سراح أحزانهم المسجونة بين طيات الجنون المغلف وتصحو عيون الحيارى، لترى بعيون العقل أسرار الحكمة التي روضها الجنون حين وصل إلى ذروة غليانه، فأذابت عبراتها كلماتنا، كسيف قاطع يفصل بين لغة العقل ولغة الوهم المستبد، بل كنت وما زلت أروي تجربة شخصية لمواطن مسكون بحب الوطن مثله مثل معظم غبش السودان الطيبين.
المتن :
 منقول من ما نشره الأديب مجدي عني: على وسادة الاغتراب والأسى أدمع ً وتلفني الأحزان عندها لا أجد غير الصمت وحيدا يؤانسني.. أجن عندما أجد الكلام مسجونا هناك خلف الصمت ؛ صمت المهاجر الذي يضج بالحركة السريعة الإيقاع وأنا منفصم منها لأنها لا تمت لي ولا أمت لها لا بصلة رحم ولا بصلة تجانس .. فالصمت أبكم والكلمات بلا حروف. أحزن عندما أجدني الغربة وحيداً بلا وطن بلا حدود بلا أهل وبلا ناس أتواصل معهم بلغةٍ تفهمي وأفهمها؛ فمن يعطف عليها وهي بالأمس قد عطفت على عابري السبيل؟ .. أتلفح حزناً عندما أجد الأقدار تصنع لحياة المهجر ميلاد في كنف الغريب ، فالأقدار يوما أهدت لنا عشقا لا نعلم زواريبه ؛ وحالما تبدل الحال وتبدل، فقد أبدلته بمشيئة الحزن وعتاب ولوم الأنفس الشح.!! ..الأحزان أيها الغريب تغمرني عندما أجد الجميع يهرب من حقيقة مرارة الغربة وبرغم ذلك متفردا بالولاء اليها.. حتى أصبحنا نتاج بشر ماتت مشاعر الحب عبر أزقة الرؤى الضيقة الزوايا ..أحزن عندما أجد هذا الولاء بعيدا عن معاناتنا ويفصل بينها جدار من الكلمات الفتات في عالم الضياع !!..الأحزان تسحقني عندما أجد الضياع يلهث في الليل وحيدا يلاحقني وتلبسني هو وارصفة ومنافي الهجرة ؛ أحزن عندما أجد الأرصفة تعدو من خلفنا لتزكي فينا ذكريات كانت لإنسان بالأمس، ومشروع رفات غداً أو بعد غدٍ .. تنبش الدموع محاجرنا لنغسل بها خطيئة الاغتراب.. الأحزان مقبرتي عندما أجدني أنا والأمس مدفونان في الماضي، والماضي كله عالم من الأقدار لم ولن تأتي إليها في عالمنا إلا قدراً مقدوراً مسطرا.. أحزن عندما أجد العالم مدفونا في كلماتي والكلمات لم تعد تقترف لها المشاعر في العالم.. أرى وفود الأمان ترحل عني فأحزن لأضيع. أرى قوة الجبال تنهدم أمامي فأحزن لأضعف .. أرى حداد الأرامل يتزايد فأحزن لأستوحش عند محاولة الاقتراب من الحزن المتراكم، و من أثار الغربة أننا نكتشف أشياء في محيطها.. فنشعر بمعنى الفقد لأشياء كثيرة ..نتعلم معنى كيفية التعاش مع الحقيقة بعد أن هاجرنا عن وطننا الذي تركناه بطراً من وجهة نظري ولا أعمم فهناك منظور آخر للبعض الآخر وهذا خيارهم وعلينا أن نحترمه حتى ولو اختلفنا معهم ؛ نستطيع فهم الآخر فهو ليس شر على إطلاقه، أما من بقي في الوطن فعلينا أن نجله ونحترمه، فربما كان أعمق بعداً في رؤاه لأنه رأى في البقاء دافع للحياة ؛ هو صبر ؛ هو انتصار ؛ هو حصاد لأروع الثمار، كما كان تخيلنا نحن عن الاغتراب فاعتقدنا في بادئ عهد الاغتراب أن هكذا أيضاً الحال بالنسبة لنا.. كان شعوراً لذيذ حد الوصول للسعادة الحقيقة. والزهو، حتى كان يتمناه غيرنا وقتذاك!!...بعضنا يقول: ما كنا لنفرط به بأي حال لأننا تعبنا للحصول عليه. التفكير في تركه هو ذاته كمن يجازف في الإبحار في يمه!!. دون حساب عواقبها الآنية والقادمة. نحن كمن يصمد في سفينتهُ رغم كل الأعاصير التي تتجاذبها يمنةً ويسرة!!.!!
الحاشية:
 يا أيها الوطن أعلن إليك أن الأحزان تحتشد فتهجم علينا في عقر مغترباتنا وتلقي بثقلها بين سطور الذكريات فنجعل الحزن حرية للصمت وميلاد لحروف الكلمات المتشحة بالحَزَنْ الأبدي.. حزن من صنعنا .. من صنع أيدينا فقد أتقنا صناعته.. وها أنا أصرخ متسائلاً: لم لا نجعل الحزن وطنا للغربة فيها يجتمع شتاتنا ؟!.. لم لا نجعل الحزن لوحا مزخرفا بخيانة الذات وكذا جلدها حتى لا تتعب الأقدار في صناعتها؟! .. لم لا نجعل الحزن حلقة وصل بين خيانة الطموحات والولاء للأرض فنبعثر جدران مشفى الأحزان في عالم عشق الأوطان؟!!.. لم لا نجعل الحزن سكنا للضياع؟!.. لم لا نجعل أحزان الاغتراب ميلاد به ندفن الحاضر لنعيد ذكريات الماضي؟!! .. هل بإمكاننا أن نجعل الحزن قدرا يسايرنا في العالم فندفن الأقدار في سردابه؟!! ..لم لا نجعل الأحزان قبوراً بها ندفن كلمات بطعم مرارة الغربة؟! هل لم تعد في عالمنا أماكن ترتاح لها الكلمات؟! ..هي كلمة وأي كلمة هي التي نسافر بها حيثُ نشاء، فهل نحن أسقطنا سِفر المعنى والفهم؟! ؛ فنسافر بها حيثُ يشاء القدر .. نسافر بها حيثُ وطن التائهين .. أحاول ترجمة أحزاننا.. وحين أحاول البحث عنها أجدها يماً يغرقني.. أحاول الغوص في أعماقها لتكون أنا هي، وتكون هي أنا، حتى يشعر كلا منا بطعم الحياة ومرارة وقسوة الغربة.. ها أنا أحاول دون أن أصطحب اليأس في هكذا مسعى..!!
الهامش:
 الإهداء: إلى محمد المكي إبراهيم .. إلى هاشم صديق .. إلى روضة الحاج.. إلى تاج السر الحسن إلى عبد الاله زمراوي .. إلى الفاتح محي الدين .. إلى عبدالقادر الكتيابي وإلى كل شعراء الوطن الذين حملوا قيثارة عشتار ومزمار داؤود وعود زُرْياب لينشدوا مجد الوطن الحبيب. ها أنا مثلكم أحاول أن أسترجع لوحة من لوحات الأسى في الغربة، فأرى ذلك الطفل يبكي.. يستجدي قطرات من الأمان، كيف لا وهو نبتة في غير ارضها!! .. فأحزن لأبكي.. وأبكي لأتذوق مرارة الدموع.. أرى أنه عالم يفوح بالنفاق والخداع فأحزن لأسطر الحزن.. أكذب لأُجملها إن استطعت!!.. فاللوحة أعمق حزناً من ضعف قلمي ووهن عباراتي.. أرى قلمي صائم عن حبري فأحزن لأفطر.. عند محاولة الاقتراب من الحزن أو الهروب منه نكتشف أشياء في محيطهُ.. فنشعر بعمق معنى الفقد لأشياء كثيرة وعزيزة. وما تبقى لنا هو كيف نتعلم نتكيف أن نعيش واقعنا رغم مرارته، وعلينا أن نتجرعه.. هذا هو الواقع .. الواقع هو الحقيقة الوحيدة الحقيقية التي لا مهرب منها.. فهل تشعرون أيها الشعراء الأوزان بغير ما أشعر؟!!.. لا..لا أعتقد جازماً.. فعزائي لكم جميعاً ولنفسي!!
 يلي...
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: (هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) .. الآية
هذا بلاغ للناس
بقلم د: أبوبكر يوسف إبراهيم
متاهة الانتظار على مرافئ الزمن الحزين. اعترافات في حضرة جناب الوطن(5-6)
منقول من: (قراءات في حزن د. أبوبكر يوسف إبراهيم للأديب مجدي عبدالرحيم فضل)
توطئة:
إن الشوق والحنين والتعلق والافتتان هي الروابط الرئيسية ومن أهم العوامل التي شدت روحي المتصوفة إلى الإحساس بفداحة ما افتقدت، الوطن الأم ، التي ترك غيابها عن ناظري مجالا للحلم وللخيال الخلاق، وهو الخيال الذي شكل وطني. أمي .. تلٌ من الحجارة المكومة في تجارب عشقه لعشقها، عادت أحلامي بذاكرتها الحالمة إلى أحلامي الطفولية ، تعيد ذاكرة كان الوطن هو محورها . ماذا وجدت عندك يا أيتها الغربة؟ أو بالأحرى في ذاكرة الاغتراب، هل قرار ومستقر؟!!، هل وجدت في الاغتراب ما يغنيك عن الوطن الذي يمثل لك الروح للروح. ذاكرة الوطن هي هاجس ووسواس يؤرقنا .. يلاحقنا لأننا مسكونون به ، نجد ملامحه بين طيات السطور وخفايا الكلمات ،، مناجاة في ثنايا الروح، مُطَلِقة تلعب على أوتار الكلمات ...قد تكون عبارة عن رسائل وجدانية بلغة الأرض، أو رسائل اغتراب يشوبها الحنين إلى لحظة ميلاد هاربة في جسر من الجسور المعلقة في أزمنة الحسرة والتحسر!!
في مرحلة ما يا وطني، بدأ الاغتراب يصبح كالصرعة.. كالموضة خاصة ما بين الأعوام 1980- 1988حيث عمّت الفاقة وأصبح أعزة القوم أذلة ، وأصبح عامة الناس يتعففون أن يسألوا إلحافا ، ومن أجل حفظ ماء الوجه أصبح الناس يبيعون الغالي والنفيس من ممتلكاتهم التي ادخروها بصعوبة طوال سنين عملهم أو باعوا حلي زوجاتهم أو استدانوا ليعطوها السماسرة الذين يحققون لأبنائهم فرصة السفر، ولو إلى العالم الآخر فما عاد للصبر مكانا!!.
بداية لابد أن نقرر أن الوطن ليس مجرد أرض وتراب نسير عليهما، أو سماء تظلنا؛ فليس في تراب بلد ما، ولا سمائه ما يميزها عن غيره في الواقع، ويدفع إلى حبه والشعور بالانتماء إليه، وإنما الوطن هو الأرض والأهل الذين يحيطونك بدفء مشاعرهم، ويخافون عليك، وتشعر بحبهم لك دون كلام، وهو الناس الذين يحيطون بك وقت الشدة يساعدونك، ويعاونونك في الأزمات والملمَّات. الوطن هو النظام الذي يحكم الوطن، ويساوي بين أفراد شعبه، ويعطي كلاًّ منهم حقوقًا متساويةً.. الوطن هو الشعور بأنك إنسان كريم كما كرَّمه الله، لا يستطيع أحد – مهما كان نفوذه وسطوته – أن يمتهن كرامتك... إذا كان هذا هو الوطن فما الذي مزَّق أوصال العلاقة بينه وبين أبنائه؟!!.. للإجابة على هذا السؤال لا بد من أن يوجه إلى النخب السودانية التي حكمت السودان جميعاً منذ استقلاله وحتى اليوم، فقط من ارتكب الخطيئة هو الجدير بشرحها وتحمل وزرها ومسئوليتها، فأنا لا أعفي أياً من هذه النخب التي ما أن يشير إصبع الاتهام إليها حتى تبدأ كل منها في إلقاء المسئولية على من أتي بعده متناسين أن لكل شجرة جذور!! فيتهربون ويتلاومون!!
في ظل هكذا مسائل تتعلق بمصير إنسان الوطن فنحن لا نسأل الأغصان والفروع، ولكنا نسأل عن الجذور التي أفرزت مأساتنا وتشريدنا عن الوطن!!. كلكم أيها السادة طلاب حكم، تتقاتلون وتتهافتون من أجل هذه الكراسي تحت شعارات أخلاقية أنتم أبعد منها كما الثرى والثريا، همكم الأوحد أن تحكموا.. فقط أن تحكموا لأنكم تعتقدون أن مؤهلاتكم الوحيدة أنكم " سادة" فلا يجب أن ينازعكم أو يزاحمكم أحد في حكم هذه الأبعدية والقطيع!! ؛ فإن كنتم أنتم السادة فما مكانة بقية الغبش لديكم إن لم تكونوا تعتبرونهم مجرد قطيع يتبع الراعي؟! بالطبع ما نحن إلا عبيد تابعون!! أنتم أيها السادة سبب وأس البلاء.. أنتم البلاء نفسه!!، وما كان يعيبكم ضمن ما يعيب أنه ما كان من اهتماماتكم: لماذا.. كيف.. ولم َ تحكمون هذا القطيع؟! وما هي احتياجاته ليحيا ؟!، لم تكن هذه أمورٌ ضرورية لكم بل كانت ثانوية ، أعلن للملأ: أنتم المجرمون الحقيقيون.. أنتم جذور مشكلاتنا وتراجيديا الديسبورا وعليكم أن تتحملوا لعنة السابقون واللاحقون من الأجيال..!!
المتن:
مرارة الغربة ومعاناة الاغتراب لا تتجلى لنا إلا في نهاياتها لأن بداياتها كانت شهور عسل.. وتجربة الغربة تتسع مساحاتها وفضائها لتحتضن كل الحزن والألم الذي لا طاقة لبشر أن يتحمله فيطفح الوجدان بالأسى المكبوت.. وإيقاظ للعقل الذي منح السيادة للحلم وهوية الجنون.. بدأنا نحلم بالحرية المعنوية فنصطدم بأنها ليست إلا ما تبقى من بقايا عمرٍ لا تجدي معه الأحلام وهي تلك التي يمنحها مكر المنون !!
ماتت أحلامنا تلك التي كانت تأتلق وتتوهج في أعماقنا مع شرخ الشباب وجلسنا لانبعاثات اللآلئ من شع النجوم.. حياة اغترابنا أصبحت عرضة لضرب الصواعق وكذا لشهب و الاجرام و هي للأحزان امتدادات السديم.. نواجه سخط الأحبة والخلان كما سخط النيازك التي ترحل بعيدا، بعيدا.. تذهل من لم يأنس في الحياة لفح الذهل او مسح الوجوم.. نعيش في وضح النهار الظلام.. نعيش داخل ذواتنا كالحطام.. في ليالي الغربة نحن أشبه بشهرزاد.. حكايات الغربة ومفارقاتها لا تنتهي وإن انتهت فالسياف ينتظر شهرزاد .. لقد تصورنا أن الإغراب جنة الفردوس ونحن الآن ندرك كيف تبخرت.. ولم نقدر للوطن قدره ؛ الآن أحسسنا وفهمنا أن للأوطان جمالها وجلالها .. ليتنا ما عشنا غربتنا ما بين كثبان الرمادِ!!
آهٍ يا وطني .. وطني جريمته الجمالْ.. وطني خطيئته الطهارةُ وسط عشاق الخنا والانحلالْ.. وطني جريرته التفرد والتمرّد حين ذلَّ الكل وانعدم الرجالْ .. آهٍ يا وطني لو لم ترق تلك الدماء على الدماءِ ؛ ألف أهه وآهٍة يا وطني .. الآهة فوق الألف نعلن بعدها إننا الطيور المهاجرة إلى سقر الغربة!!.. الندم ظلَّ يتهاوى كالمطارق.. كالفؤوس على رأس كل مغترب، والزمن يتثاءب كالجبل ثقيلاً مقابله (ثعبان ذهبي)ذاك الذي اقتَنَتْهُ فرحت به (صَبيَّةً) و انتقاها الزمن لتعيش مه أبيها الانفصام دون أن تدرك عواقبه ...أبَداً ، أبداً لم تُجْدِ شفاعةُ الدِّفْء-الذي يَسْكُن الوطن بل لا تعرفه البتة منذ أمَدٍٍ الإغراب .. الدموع لا تجدي نَفْعاً معه، فظلّلنا نراقص أحلام الأوبة.!!..ومضى الوقت...ليس تدري هي كم انقضى منه ولكن نحن المتسببون نعرف!!.. أهٍ فقد انكدر بريق العينين فجأة، و أوجف القلبَ حدسٌ فظيع.. اليوم مع الحسرة يقفز إلى المسامع نداء أليمٌ، الآن عندما نذكر لحظات وداعنا للوطن ويلوح إلى الخاطر مَنظرُنا وكأننا الآن الطائر الجريح المُرتمي فوق بيوضه يحميها وهو يُوَدِّعُ أحَدَ جناحيْه، ويشهد انفقاس سنين عمره كبيض الطائر الذي غادر عشه عُشِّه بيضةً...بيضةً ويستنجد، وما من مجيب!!
هنا أعيش في سماءٍ غير سمائي جَنَّ لَيْلُ الكَوْن.. أطالع في ليل السماء المدلهم لإجد وقد أَوْصَدَت المَجرّات أبوابَها...وتَكوَّرَت التّبَّانة ُعلى أَجْرامها...وأَرْقَدَت الشَّمْسُ كُوَيْكِباتِها، والأرضُ قاراتها...وحامَ فوقنا سقفٌ واحد مُتَلألئ.. كان سماءً دُنْيَويَّةً فسيحة تَجْتاحُها أَخْيِلَة ٌوسُحُبْ الذكريات السوالف ومعاناة حاضر المُغْتَرب ، هواجس من صورٍ لملائكة ٌوجانٌ ترجُمُتها الشهبْ؛ فانسلَخْتُ من جسدي وطُفْتُ رُوحًا شَفّافةً بين النِّيام ألعق مرارة ما أنا فيه وأفكر في مصير من هم حوالي نيام لا يحملون هموماً ؛ في براءة يغطون في نومهم. لا أدري لماذا قررت أن أكشف الغطاء عن وجوههم؟! كشفتُ الغطاء عن وجوههم، علني أستكسف سَرائِرِهم... رَفَعْتُ الحِجاب عن شُغُفِ قلوبهم...تَفَحَّصْتُهم قَلْباً قَلْبًا...قالباً.. قالباً.. بَحَثْتُ فيهم 'عنّي'، عن بعضي!!.. كأن أعماقي تصرخ وتتساءل: أي جنون هذا؟
صدرت مني زفرة ألم أليمة مؤلمة ؛آآآآه!.. ليت لي قَدَمًا وسَاقًا فآتيك هَرْوَلةً يا وطني أُداوي جراحَك وأُزيحُ الصّخور عن كاهلك.. ولكن، وحدَك يا "الله الحَنَّانْ" القادرُ على صرف المكروه عني دون سواك!! .. أهٍ هل اغتربنا من أوطاننا من أجل الذهب والماس.. أم أن فَرَوْنَقُ الخاتم لن يكتمل إلا بأقراطه وعِقده وسِواره إن أمكن. قالوا أن المال هنا وفير أليس من أجله اهتجرنا؟!.. أما أصبحت اهتماماتنا الموضة والأبهة والتي أصبحنا نلهث وراءها ونتتبع أخبارها وتستعر فينا شهوة الاقتناء والشراء ؟! أليس هذا ما تحرضنا عليه أما هكذا تحريض مجلات الموضة على الدوام!.. ثمّ رهنّا أنفسنا لما يبيع لنا كل صائغ ميسور.. نتفرد في اقتناء الثمين لنضمن عدم تشابه أساور الصباح بالمساء، وخلاخل الاثنين بخلاخل الأربُعاء.. و مَضَينا نسبح في لجج الاقتناء أصبحنا عبيد اللُّؤْلُؤ والمَرْجان وأنْفَس الدُّرَر!! ونسينا أندر الدرر وهي أمنا الأرض التي بذرنا فيها ونبتنا وعندما جاء وقت الحصاد اغتربنا منها؟!!
حاشية:
زمن الغربة حوض من الأسى المزروع، حوض حنظلي المذاق ، كم جاء من أحبة ليتفرسوا فيّ وفي حوض ألم يرافق وحدتي، ترى ما الذي يجعلهم يصرون على نبش ما بالنفس من ألم، هل لأنهم يفلسفون الألم ويقولون أنهم يرون في تجربتي الكثير؟!، لكن لا أحد منهم يرى فيها ألمي المزروع بين جوانحي ، ودمعاتي التي ترويها في كل صباح بعد نزف وحدة الليل، ألمي هو رفيق وحدتي وصاحب المذاق المر الذي أتجرعه وأتذوق مرارته في كل صباح، وحتى لا أغير من طعم المر في حلقي صارت السعادة بطعمها الحلو كالعنقاء أو الخل الوفي ، ألم اغترابي يمكنني من إدراك نزف صباحي الذي يأخذ أشكالا عدة لجراحات الذات، فبين صباح وإبحار بين حروف الألم والندم أذرف أثخن الدموع التي لا تراها أعين الآخرين ، وأصبر في جلدٍ فاستسلم لترنيمة حزن وأطياف متمردة حتى على روحي وقلمي ؛ فما عساي أن أفعل؟!
الهامش:
هل تعلمون أيها السادة المبجلون لماذا ضعف الانتماء للوطن؟!.. أن أول أسباب فقدان الانتماء أو ضعفه، هو فقدان الشباب لفرص العيش الكريم؛ حيث يتم التضييق عليهم بشكل متعمد لخدمة اهداف مجموعة من المتحكمين في الوطن سياسيًّا واقتصاديًّا؛ فبينما تجري الخصخصة في إطار المصالح الخاصة المتبادلة بين أقطابه السياسيين وأقطابه الاقتصاديين، أو في إطار مصلحتهم مع أطراف اقتصادية خارجية - حتى وإن كانت اقليمية – فمشهود أنها تدور في فلك الغرب، فالغرب عبرهم يريد الهيمنة على مقدَّرات الوطن، واستنزافها، وإعادة عصر التبعية الاقتصادية الكاملة للغرب الإمبريالي.. كما أن الدول التي ترعى مواطنها والتي لم تطبق الرأسمالية – كالصين مثلاً – تعتبر الفرد ثروة قومية ينبغي استثماره، والاستفادة به؛ فتوفر له فرص العمل الذي يعود عليه وعلى الوطن بالخير
يهولنا جميعًا انتشار الفساد الذي صار كسرطان ينهش جسد الوطن؛ وزراء يصادقون على استيراد المبيدات المنتهية الصلاحية ، وأنواع من البذور المدمرة للأراضي الزراعية؛ فنشروا الخراب والمرض اللعين بين عشرات الآلاف من أبناء الوطن!! رجال أعمال مرتبطون بالأجهزة الحكومية يستوردون قطناً طبياً من الصين ونحن نصدر القطن!! مسؤولون يوزعون أراضٍ باسم مشروعات استثمارية مساحاتها (10) أفدنة أي {42000} متر مربع امتدادا لمستوصف مشروع دواجن!! .. أي مستوصف في الدنيا يحتاج لهذه المساحة؟! .. لا أدري إن كنا سنعرض الوطن برسم البيع مقابل جنيهات قليلة!!.. حسبي الله ونعم الوكيل!!
يلي..
Abubakr Ibrahim [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.