دموع قيادات التيار الاسلامي بالسودان ورموز القوى السياسية بللت قبر الراحل محمد يوسف محمد - أحد مؤسسى تنظيم الاخوان المسلمين، من مواليد الباوقة بولاية نهر النيل 1932 - بعد أن شيعته قيادة الدولة والحركة الاسلامية وقطاعات واسعة من المجتمع عند الساعة الثامنة من صباح أمس الجمعة بمقابر فاروق بالخرطوم، بحضور رئيس الجمهورية عمر البشير ونائبه على عثمان محمد طه ونافع على نافع. وكان الأمين العام للمؤتمر الشعبي (حسن الترابي) قد أدى واجب العزاء منذ سماعه خبر الرحيل، بايرلندا وهو يتذكر المؤتمر التأسيسي عام1954، وكان قد ركز على قضية الدستور الإسلامي باعتبارها محوراً للعمل السياسي للحركة الإسلامية، فغالبية المؤسسين من خريجي كليات القانون (محمد يوسف محمد، حسن الترابي، محمد صالح عمر، الرشيد الطاهر، دفع الله الحاج يوسف، عمر بخيت العوض، توفيق طه، وصادق عبد الله) وقد اجتمع هؤلاء وغيرهم من الاخوان إلى جمع غفير في دار التبشير الإسلامي بأم درمان في 10 ديسمبر 1955م ليعلنوا تأسيس (الجبهة الإسلامية للدستور) وتم انتخاب عمر بخيت العوض أميناً عاماً لها، وكانت الجبهة إطاراً سياسياً غير حزبي، لذلك فقد ضم الاجتماع التأسيسي اتحادات الختمية وكيانات الأنصار إلى جانب الاخوان وأنصار السنة المحمدية وجماعات التبشير الإسلامي. وفى هذا يقول المرشد السابق للاخوان المسلمين الشيخ صادق عبدالله عبد الماجد: لكي تجمع الناس لا بد أن يكون لديك رصيد، ولهذه الدعوة خاصية عجيبة جداً، حيث أنها انتشرت بصورة كبيرة جدا حتى قبل أن يطلق عليها لقب تنظيم بصورة رسمية، وفي العام 1954 قال الاخوان بأن التمدد والانتشار هذا يفرض علينا أن نطلق على الجماعة اسما محددا، وأذكر أن الاخ بابكر كرار كان يطلق على الجماعة اسم حركة تحرير الإسلام، ولكن عندما جاءت مرحلة التسمية أجمع الناس على اسم الاخوان المسلمين، فكان أن انسحب كرار ومعه مجموعة حوالى (12) شخصا وكان اجتماعنا هذا في نادي أم درمان الثقافي، وأذكر من الحضور محمد يوسف محمد وميرغني النصري ويوسف حسن سعيد وأحمد محمد بابكر وآخرين. هذه السيرة العطرة للراحل محمد يوسف يضعها ابن اخته (عبدالفتاح السنوسي) أمام (الاهرام اليوم ) عقب قدومه من المملكة العربية السعودية لحضور مراسم التشييع الذي ويصف خاله بأنه رجل حكيم يحب الاصلاح بين الناس ولا يحب الشر ولا يفرق ما بين الذي ينتمي للحزب الاتحادي أو حزب الأمة أو التيار الإسلامي، ويسعى للإجماع والوفاق ولا يحب العداوة السياسية بل يسعى للتراضى، وقد كان من كبار المحامين بالسودان، ويقع مكتبه فى الطابق الثاني لعمارة برج النيل، وبداخله حدثت مواقف إنسانية مشهودة لم تجد معالمها طريقا للنشر. ويختم قوله بالدعاء بالرحمة له ويستشهد لمعزته بدموع المشيعين الذين واروه الثرى، ومنهم من أشار إلى أن الرئيس البشير نزلت دموعه حزناً على فراق رجل الوفاق والصلح الذي تعول عليه البلاد كثيرا في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها. أما عادل محمد يوسف، الذى يترحم على وفاة والده، فهو يقول من خلال سرده ل (الاهرام اليوم) عن صفاته: ( كان ينصحنا من دون أن يترك أثراً في نفوسنا ولم يكن قاسيا علينا ولم نكن نحس أن هنالك بعداً بيننا وبينه، بل كان يشعرنا أنه صديقنا أكثر من والدنا، وعند اختلاف الآراء داخل الأسرة حول موضوع بعينه فإنه كان يحتوى ذلك بالحكمة والحسنى، وهو رجل متّزن فى معاملاته). ويصف مراسم تشييع والده بالتاريخية فى ظل توافد جميع رموز الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع مما يدل على تواصل والده مع الكل، ومن كثرتهم ضاقت بهم ساحة المقابر فأدوا صلاة الجنازة خارجها. وبخصوص دراسته فى كلية غردون الجامعية يشير عادل إلى أن والده درس بكلية الطب قبل أن ينتقل إلى كلية الزراعة ومنها لكلية القانون، وعندما سأله عن سر ذلك أجابه والده: ( لم أجد نفسي إلا فى كلية القانون وهذه هى رغبتي الحقيقية فى الدراسة) ويمضى عادل بالقول إلى أن والده على الرغم من التحاقه بالعمل السياسي إلا أنه لم يترك مهنته القانونية حتى وفاته. ويبدي عادل أسفه لعدم دراستهم للقانون كما فعل والدهم، لكنه يجد العزاء فى أحفاد الراحل من ابنته نهى، الذين يسيرون على ذات ركبه الأكاديمي، ويتمنى لهم التوفيق فى دراستهم. وخلّف الراحل محمد يوسف من الأبناء (عادل وياسر وخالد وعمار ونهى وروبي)، ويعتبر أحد مؤسسي الحركة الإسلامية السودانية، وتولى عدداً من المناصب من بينها رئاسة الجمعية التأسيسية في الفترة من عام 1986 1989م وترأس عدداً من لجان البرلمان بالمجلس الوطني خلال الفترة من 1991 2005م. ولا تبدو المصادفة غريبة أن يدفن محمد يوسف فى يوم الجمعة الذى كان يجمع فيه قيادات الاسلاميين أسبوعيا على وجبة الافطار فى منزله يزيد بها من روابط الاخوة والمحبة فى الله تحفها بركات الجمعة.