{ نتفق أن علينا الخروج قليلاً للهواء الطلق بعيداً عن الحوائط المنزلية التي تحتفظ بالكآبة إذا قدّر الله دخولها احتفاظ المبردات بالثلج.. ونتنشق الأُكسجين شبه النظيف. وقد أصاب التلوث الكثير من ذرات الجو الصباحي والمسائي، وقطعاً للأبخرة وعوادم السيارات نصيب من ذاك التلوث. { وننعم بقرار (على النجيلة جلسنا) في مفتوح الحدائق العامة.. حيث أنعمت الولاية علينا كأهل الخرطوم بفتح حواجز المرور والعبور الى الحدائق بعد أن كانت المحلية تتخذها واحدة من مصادر الرزق المفتوح على حرير خزائنها.. الشيء الذي غير نظام الكثير من الأسر وجعلها تعتمد في برنامج نهاية أسبوعها مادة (الحدائق العامة) وتستمتع بالحدائق الجميلة، التي للحق تجتهد الولاية في تحسين مظهرها ومنظرها لتسر الناظرين والجالسين. { والجالسون على أرض النجيل الأخضر، على مطلقهم، هم أسر صغيرة كانت أو كبيرة وممتدة وفي غالب خروجهم تكون حافظات (الساخن/ بارد) منتصبة بجوار الفرشات ممتلئة حد الإشباع بالشاي/ لبن وسادة.. ويجانبها جلوساً الفطائر والكيك لإضفاء نكهة على القعدة ولملء الفراغ فيها أو في المعدة. { ولا تلاحظ العين الفاحصة أو المجردة وجود ثنائيات في تلك الحدائق وخاصة في ليلها المبتدئ بعد آذان العشاء ربما لأسباب الوقت أوللفرض الوجودي للعائلات وتعليقاتهم لا سيما شبابهم التي لا ريبة تحرج ثنائيات الحدائق وتضطرها الى العودة الى مواقعها سالمة ومسالمة. { ورغم النظام الاجتماعي المسيطر على الجلسات إلا أن الملاحظ وبشكل غريب هو تمدد بعض الأسر على مساحات النجيل وبالأخصّ على طول شارع النيل من جانبيه، وبانتشار وصل حدّ استجلاب الكراسي المنزلية ووسائد الاتكاء الخاصة والأراجيل (الشيشة) والاستلقاء بكامل الارتياح على قارعة الطريق المشجّر ومنجّل!! { المؤسف أنه في وقت من الأوقات احتشدت الآراء العامة حول مسألة الحدائق العامة وكيف أن الدولة تستغلها كمصدر دخل وتجعلها حكراً على من يستطيع دفع تذكرة دخولها.. وبتحوّل الأمر وإزالة الحواجز والأسوار منها دلف اليها من يستطيع جلب تموينه وتوفير وسيلة ترحيله منها واليها.. وبقى أمر إدارة حدائقها ونجائلها حكراً على الولاية من رعاية وتشجير وري وإنارة، ...إلخ.. ويضمّن الصرف عليها من ضمن الميزانية العامة لتجميل العاصمة القومية. { أما تأمينها فيقع بالطبع على عاتق شرطة الولاية التي في الغالب توفر حمايتها في الوجود الشرطي المخفف باعتبار أن الحوادث غير متوقعة فيها وتترك المراقبة المظهرية لشرطة أمن المجتمع أو النظام العام لتقليل حوادث الاصطدام الرومانسي بين الثنائيات السابقة. { وما تبقى من نظام وإزالة أوساخ تتركه للذوق العام للأفراد والأسر الزائرة، التي للأسف تترك بقاياها على النجيل الجميل وترحل بكل سرور الى ديارها المرتبة. { نتفق طبعاً أن كل أمر في هذه البلد يحتاج الى التعاون بين الدولة والشعب، حيث لا تستطيع دولة مهما بلغت ميزانيتها المطروحة لراحة شعبها تنفيذها ما لم يساعدها هو في المحافظة على المشروعات والموازنة بين الخاص والعام واستهلاكه المفتوح له. { ولا يستطيع شعب لحاله أن يقيم دولة ترفيهه المجانية ما لم تساعده الدولة بمنح التصاديق للأراضي والحدائق و...إلخ.. أذن ما استطاعت الدولة تنفيذه يجب علينا كعامة المحافظة على إشراقه لنستمتع به لأطول فترة ممكنة.. ولنتمكن من تفتيح مسامات الهواء المتجدد في خلايانا وعقولنا ليوم جديد في العمل والحياة بقدرة نفسية عالية ومتصالحة وجميلة.. فجمال الشاي بكافة بهارات نكهاته وألوانه (سادة وبلبن ومقنَّن) يحتاج الى مزاج نظيف ومرتّب ومكان استلقاء عالي النقاء والصفاء إن كان في الهواء أو المجاميع التي حولك فنحاول بلا أنانية أسرية التموضع في مكان يتيح لأسرة أخرى أن تنعم بمزاج الشاي وقعدته وضحكات صغارها وأن نزيل، بكل أناقة، ما خلّفناه من قمامة لأن هذا المكان أو غيره سيشتاق الينا وينادينا سراً لنعود اليه مرة أخرى ذات مساء ناعم النسيم وخفيف الذوق لنفضّ ذرات الحوائط ومزاجها الأسمنتي الجامد. { هذا، وملاحظتي أن معظم الأسر من الطبقة المتعلمة والعاملة، فهل ترفُّعنا في الدرجات العلمية والعملية يجعلنا جهلة بالدرجات الاجتماعية والسلوك العام المحترم؟؟