تهل علينا اليوم 16 مايو الذكرى ال(27) لتأسيس الحركة الشعبية لتحرير السودان، ورأينا في هذه المناسبة تقديم لقراء (مسارات) لمحات من سيرة مؤسس الحركة وقائدها التاريخي الدكتور جون قرنق دي مبيور الذي قضى في حادث تحطم طائرة الرئاسة الأوغندية التي كانت تقله في 30 يوليو عام 2005م. وُلِدَ جون قرنق في العام 1945 في (وانجلي) بجنوب السودان لأسرة ميسورة من قبيلة الدينكا، انتقلت لتعيش في تنزانيا، حيث أنهى قرنق دراسته الثانوية، ومنها ارتحل إلى الولاياتالمتحدة حيث نال إجازة في العلوم عام 1971، ثم عاد إليها بعد ثلاث سنوات في دورة عسكرية دامت عامين، وانخرط لاحقا في الأكاديمية العسكرية في الخرطوم، وانضم إلى الجيش برتبة نقيب. بعد اتفاق السلام الذي وُقّع في أديس أبابا عام 1972، بإشراف إمبراطور أثيوبيا الراحل «هيلا سيلاسي» الذي أُعطيَ الجنوب بموجبه حكماً ذاتياً واسعاً عاد قرنق إلى الولاياتالمتحدة عام 1974 ليحصل من جامعة (أيوا) على درجة الدكتوراه في الاقتصاد الزراعي، ورجع إلى الخرطوم واستأنف عمله في الجيش السوداني قبل أن ينقلب عليه ويصبح محارباً له. كان جون قرنق ضابطاً في الجيش النظامي وتحوَّل إلى محارب لهذا الجيش، عندما أرسل لينهي تمرداً في الجنوب في مايو 1983 بعد أن رفضت كتيبة من (500) جندي بقيادة الرائد «كاربينو كوانين بول» التوجُّه إلى الشمال، فتم تكليف قرنق بإخماد التمرد، وبدلاً من الانصياع للأوامر أعلن نفسه زعيماً لمن أرسل لتأديبهم وأسس حينها «الجيش الشعبي لتحرير السودان». وكان قرنق قد انضم عام 1971 إلى حركة جوزيف لاغو المتمردة فُعيّن مساعدًا لزعيم الحركة، وبعد الاتفاق بين الأنيانيا وحكومة الرئيس الأسبق جعفر نميري انضم قرنق عام 1972 إلى صفوف الجيش السوداني برتبة نقيب وسافر إلى أميركا للدراسة والتدريب، وما إن رجع عام 1981 حتى عُيّن عقيداً في الجيش السوداني كما كان يعطي دروساً في أكاديمية الخرطوم العسكرية. وعرفت حركة قرنق أول انشقاق داخلي في أغسطس عام 1991 حين انسلخ عنها رياك مشار ولام أكول، فيما عرفت آنذاك «مجموعة الناصر»، الذين كانو ينادون بانفصال الجنوب عن الشمال وإقامة دولة خاصة به، في حين يدعو قرنق إلى إقامة دولة سودانية واحدة شرط أن تكون ديمقراطية وعلمانية. أيّدت الحركة الشعبية برئاسة قرنق إعلان مبادئ المنظمة الحكومية لدول شرق ووسط أفريقيا للتنمية ومكافحة التصحر «إيغاد» عام 1995 الذي رفضته الحكومة في البداية ثم قبلت به عام 1997، ومنذ ذلك الحين دخلت الحكومة في سلسلة من المفاوضات مع قرنق أشرفت عليها «إيغاد» والولاياتالمتحدة، وكان أهم ما تمّ التوصل إليه اتفاق مشاكوس عام 2002 واتفاقية نيفاشا ثم الترتيبات الأمنية عام 2003. ويقول رئيس تحرير خدمات المعلومات السودانية المستقلة «بيتر فيرني» إن قرنق «قد فاق الآخرين حيلة بمكره، وبالأخذ بزمام المبادرة دائما.. تستطيع أن تعرف ذلك من طراز إجراءات الأمن حوله أينما تنقل». توفى جون قرنق في 30 يوليو عام 2005م عندما تحطمت مروحيته عندما كان عائداً من أوغندا.