{ تابعت باهتمام قضية أطباء الامتياز ونواب الاختصاصيين، منذ سنوات، قبل أن تصل إلى مرحلة الإضرابات، والمواجهات الخشنة بينهم والحكومة ، ولابد أن ندين هنا استخدام العنف مهما كانت المبررات من أي من السلطات الأمنية ضد الأطباء . { وظللت أكتب عن حقوق الأطباء، ومرتباتهم (المتأخرة)، وحوافزهم (المجمّدة)، وتارةً تكون وزارة المالية هي المتهمة، وتارة تكون إدارات المستشفيات هي المتهم الأول، وشكوى أطباء الامتياز و(النواب) حول الإدارات مريرة، سمعتها مرات، ومرات. { وسمعتُ من أطباء عن إدارة مستشفى تفرض على طبيبة (نائبة) المبيت بقسم العناية المكثفة رغم علم الإدارة بوجود غرفة واحدة مخصصة للمبيت، فماذا تفعل الطبيبة (الشابة) في حالة عملها في ذات الوردية مع طبيب (شاب)؟! هل يتشاركان الغرفة وكأنّهما في «السويد» أو «النرويج»؟! { وسمعتُ عن إدارة مستشفى تتحصل رسوماً (غير قانونية) على أرانيك المرضى، في ذات الوقت الذي تحجم فيه عن مساعدة مرضى معسرين يحتاجون إلى أدوية ببضعة عشرات من الجنيهات؟ { وسمعتُ عن اللصوص الذين يرتادون (ميز الطبيبات) بالمستشفى «الفلاني».. و«العلاني» في إشارة إلى غياب التأمين والفوضى الضاربة في استراحات الأطباء والطبيبات بعدد من مستشفيات الخرطوم.. { وتعرفتُ على مشكلة تأخير المرتبات لشهر وشهرين، خاصة لأطباء الامتياز، وأعرف الكثير عن معاناة السادة (الدكاترة) ومخصصاتهم المالية الضعيفة في مهنة ظلت نساء السوداني تغنين لها: (الدكاترة ولادة الهناء...)، (والليلة وين.. الفي العصُر مرُورو..)..!! { وظل المجتمع السوداني - دون كثير من المجتمعات - يضع مقاماً رفيعاً لمهنة الطب، والأطباء، وظلت دراسة الطب هي المطلب الأول، وأحياناً الوحيد، للآباء والأمهات وأولياء الأمور، يفرضونه على أبنائهم النجباء و(غير) النجباء، حتى ولو كان مطلباً مخالفاً لرغبات الأبناء والبنات..!! ويضطر الكثير من أولياء الأمور إلى صرف آلاف الدولارات، وآلاف الجنيهات تصل إلى «بضع وعشرين ألفاً» سنوياً للوفاء برسوم الدراسة بالجامعات الحكومية (على النفقة الخاصة)، أو الجامعات الخاصة المملوكة لعائلات أو أطباء كبار.. { وليس مهماً أن يتدفق المال، أو ينقطع، فيضطر بعض أولياء الأمور إلى الاستدانة أو كتابة الشيكات فترتد، أو يجمد الطالب عاماً، وعامين، المهم أن يتخرج الولد (دكتوراً)، والبنت (دكتورة)..!! { نعم للدكاترة (ولادة الهناء) حقوق ظلت مهضومة لسنوات، وقد دارت بيني والأخ العزيز المهذب الدكتور «كمال عبد القادر» وكيل وزارة الصحة، حوارات ومناقشات طويلة حول هذا الأمر، كلما أحيلت إليه شكوى طبيب، أو مجموعة أطباء، أو مهندسين ومهندسات طبيّات ألغت الوزارة إدارتهم، رغم استمرار قبول وزارة التعليم العالي للطلاب في أقسام «الهندسة الطبيّة»!! { وأشهد بأن د. كمال عبد القادر رجل مجتهد، ويسعى للتغيير والتطوير، ولكن كيف يتطور القطاع الصحي وهو يعاني من آفات، وأمراض (مزمنة)، بعضها بسبب الأطباء - أنفسهم - كبارهم، بثقافة (الاستعلاء) حتى على المرضى، دعك من الممرضين، وصغارهم الذين يتوارثون عن أساتذتهم هذه الثقافة.. كابراً عن كابر..!! { ومثلما يطالب الأطباء بحقوقهم، فإن المجتمع يطالبهم بالبقاء في المستشفيات وملازمة أقسام الحوادث والتعامل مع المرضى طبقاً لما درسوا في المناهج، لا كما رأوا من (الأباطرة الكبار).. { والدكتور «كمال عبد القادر» الذي عمل لأكثر من (15) عاماً في مستشفيات «انجلترا»، يحدثني أن طبيب الامتياز أو العمومي، أو حتى النائب، إذا أجرى عملية، أو تصرف دون مشاورة أو استدعاء الطبيب الاختصاصي الذي يكون مرابطاً على الهاتف المفتوح طول الليل، فإن الاختصاصي يحاسبه حساباً عسيراً صبيحة اليوم التالي!! أما هنا في السودان فإن صغار الأطباء إذا هاتفوا كبارهم - ليلاً - يسألون، فالويل لهم، والثبور وعظائم الأمور..!! { لقد أصدر الرئيس «البشير» قرارات أمس الأول بتحسين أوضاع أطباء الامتياز والنواب، ويصبح خطلاً إذا ظن هؤلاء الأطباء أن مخصصاتهم ستقفز من (500) جنيه - مثلاً - إلى «ألفين» دفعة واحدة.. فقط لأنهم أضربوا أو يهددون بالإضراب في بلد تواجهها الكثير من المصاعب والأزمات من دارفور إلى الجنوب الذي يوشك على الانقسام.. { على السادة أطباء وطبيبات الامتياز والنواب.. المحترمين والمحترمات، أن يعاودوا أعمالهم بهمة ومسؤولية، وأن يتقبلوا هذه (المنح) الجديدة، وعلى وزارة المالية الوفاء بها في أوقاتها المحددة، أما إذا كان لبعضهم أجندات سياسية يتوهمون أنهم يعيدون بها التاريخ إلى انتفاضة (رجب أبريل 1985)، فإنهم - لا شك - واهمون، ولا مجال هنا للتفصيل في تأكيد أن هذا الخيار محض وهم.. { لا مجال، ولا داعي للتفصيل والتحليل، فالواقع مختلف، والمشهد مغاير، كما أنني لا أريد أن أبني على هذا الافتراض لأن (حسن النية) متوفر في أنها لا تعدو أن تكون مطالب مهنية بحتة لا علاقة لها بالسياسة، على الأقل، للأغلبية الغالبة من إخواننا وأخواتنا الأطباء والطبيبات. { شكراً سيدي الرئيس على هذه المنح.. وعفواً أيها (الدكاترة) فقد حان وقت العمل.. العمل من أجل وحدة السودان.. ولا داعي لشغل الرأي العام عن أهداف سامية ومصالح عليا.. وفقكم الله وسدد خطاكم.