{ من المفترض ألا تختلف أعراض وعوارض المرض بين شخص وآخر؛ ذلك لأن المرض لا يفرق بين كبير وصغير، أو بين رجل وامرأة. لكن الواقع يقول إن للمرض مع الرجال حكاية خاصة تختلف عن المرض عند النساء، فمرض الرجال فيه شيء طفولي وكثير من (الدلع) والمبالغة، وربما هذا ما يؤكد أن الرجل طفل كبير. { وربما ترتبط حكاية (دلع الرجال) أثناء المرض بعقدة (أوديب) التي لا يخلو رجل من تفاصيلها، وهي التي تدفع بهم لا شعورياً لممارسة بعض الدلع وإظهاره في مناسبات متباينة من رجل لآخر، ما بين دلع المرضع، والخصام طلباً لاستماتة الزوجة في محاولات (الترضية)، و(النقّة) والانتقاد سعياً لفرض السيطرة الكاملة وإذعان المرأة واستجابتها لكافة الأوامر من أجل عيون (سي السيد). { وفي حالات المرض تحديداً يمارس الرجال نوعاً من المبالغة والتهويل وإبداء الإعياء بصورة واضحة وإطلاق الآهات ومحاولة إقلاق الزوجة بإطلاق عبارات مخيفة عن دنو الأجل ومحاولة التأكد من إخلاصها بطرح أسئلة عن شكل الحياة من بعده ودرجة حبها له وهل يمكن أن تفكر في آخر غيره أم لا، مما يجعل الزوجة تنخرط في بكاء مُرّ قلقاً على شريك الحياة و(أبو العيال) وتشعر بأهميته وحبها له حتى وإن كانت عشرته سيئة على المدى البعيد ولكن فطرتها الأنثوية العاطفية تدخلها في حالة من الخوف والتفاني في خدمة الزوج وممارضته والدعاء له والاستجابة لكافة طلباته حتى يشفى. { وبينما يجد الرجل في المرض حجة لكي يتدلل ويطلق العنان لأوامره ورغباته، فهو لا يحب مرض المرأة، وبعض الرجال يتذمرون لمرض زوجاتهم بل يذهبون لأبعد من ذلك ويتهمون الزوجة بادعاء المرض والمبالغة فيه، وغالباً ما تكون ردود أفعالهم تجاه الأمر قاسية وبها شيء من الضيق ربما لأن فطرتهم الأنانية لا تريد لعجلة حياتهم الزوجية المرتبطة كلياً بهذه الزوجة أن تتوقف، دون مراعاة لإنسانيتها وحاجتها الجسدية للراحة والعافية. { بعض الرجال يكرهون فكرة الاستسلام للمرض، وما بها من إظهار للضعف وحاجة للمعاونة والاهتمام، وكأن لزوم فراش المرض به انتقاص للرجولة، بينما يهرع البعض الآخر للاستلقاء على فراش المرض والتمتع باهتمام الزوجة والأبناء والأكل الخاص والشراب الطيب والهدوء الذي يسعى الجميع لتوفيره له والحرص على موعد دوائه. والنساء يفعلن كل ذلك عن طيب خاطر حتى وإن كُنّ يعلمن أن الزوج (يبالغ شوية) وهذا هو الفرق بيننا نحن النساء وبين الرجال المترفعين عن إبداء الاهتمام أو أي مظهر من مظاهر القلق والمحبة. { ومؤخراً أظهرت نتيجة استفتاء عالمي في ألمانيا رصد ردود الأفعال المختلفة لحوالي 200 شخص ما بين رجل وامرأة أصيبوا بجرح في أصبعهم، أظهرت التباين الواضح في طبيعة كل منهما، التي تختلف كلياً. فبينما تعتبر المرأة أي جرح تصاب به أثناء عملها في المطبخ مثلاً شيئاً ثانوياً وعادياً، يعتبر الرجل مثل هذا الحدث أمراً درامياً. فالمرأة عندما تصاب بجرح من سكين أثناء تقطيع الخضار فإنها ببساطة تغسل الجرح بالماء وتبحث عن أي قطعة نظيفة لتربط الجرح وتواصل عملها. أما الرجل فإنه يصرخ ويقطب جبينه ويستاء ويبعد نظره عن منظر الدم ثم يبحث عن مقعد للجلوس حتى لا يصاب بالدوار وهو يطلق عبارات السب والضيق وينادي على زوجته لتعتني بجرحه وتبحث عن المراهم والمطهرات حتى تربط له الجرح، ثم تُحضر له كوباً من العصير الطازج وترجوه أن يبتلع حبة أسبرين ويحاول أن ينام. كل هذا وهو لا يكف عن التذمر والتبرم من هذا الجرح (الكبير) الذي أصابه في وقت حرج. وبهذا تكون الزوجة نفسها سبباً مباشراً في لجوء الزوج لحجة المرض من أجل الحصول على جرعة أكبر من الاهتمام والرعاية وتغيير المواضيع المزعجة وهذا ما يجعل الزوج يستمرئ الحكاية ويمضي في دلاله ومرضه. { تلويح: «قالوا متألم شوية!.. يا خي بُعد الشر عليك».