{ لماذا تحدثنا أنفسنا الأمارة بالسوء أحياناً باللجوء إلى ممارسة الخيانة ضد من نحب، رغم قناعتنا التامة به وبصدق حبنا له؟! وهل تكون الخيانة متعمدة مع سبق الإصرار؟ أم من باب الصدفة ليس إلا؟ وهل يستقيم فعل الخيانة مع فعل المحبة والاحترام؟ وما هي درجات الخيانة ومراحلها ودوافعها حتى بلوغها الخيانة العظمى؟ إنها أسئلة كثيرة منطقية وغير منطقية؛ تشير بوضوح إلى أننا أحياناً نفكر في الخيانة وأنها أضحت واقعاً ملموساً نحياه كل يوم ونمارسه أحياناً بأشكال وأبعاد وتفاصيل مختلفة؛ بقصد أو دون قصد. وقبل أن ينبري أحدكم حانقاً لينفي عن نفسه هذه التهمة أو يفند هذه الادعاءات؛ عليه أن يتذكر أن إخفاء الحقائق والكذب خيانة، ونظرات الإعجاب والاستحسان المسروقة خارج الإطار الشرعي خيانة، وذكر حبيبك بما يكره والشكوى منه إلى خلق الله وتعداد مثالبه للغير خيانة، وأن تسمح لنفسك بفعل ما تمنع عنه شريكك خيانة، ناهيك عن فعل الخيانة الكامل والمتعارف عليه. فهل تبقى من لم تسول له نفسه يوماً الإتيان بخيانة ما، بطريقة ما؟ تكذبون إن قلتم «نعم». علماً بأن الخيانة قد تأتي رغماً عنا ولأسباب ودواعٍ أمنية قد يكون الهدف من ورائها نبيلاً جداً لتأخذ بذلك صفة الخيانة المشروعة!! فربما يمكنني أن أسمح لنفسي بلقاء أحدهم أو التحدث إليه عبر الهاتف لأسباب تتعلق بالمصالح المشتركة أو حتى لتوضيح موقف عالق وللإعراب عن موقف حاسم وأخلاقي يجنبني العديد من المزالق والإشكالات ويصحح عدة مفاهيم ومشاعر خاطئة بذهنه، وذلك حماية لارتباطي الحميم بأحدهم. فالإخلاص ليس فرضاً يفرضه عقد مكتوب، وليست له شروط، ويمكنني أن أخلص لأحبائي في أي زمان ومكان. وقد لا يفهم بعض الناس الأبعاد الحقيقية للإخلاص ومدى قدسيتها. فهو في الأساس إحساس ورغبة تنبع من العاطفة وتغني امرأة ما عن كل الرجال عدا رجلاً واحداً، وتغني رجلاً ما عن كل النساء إلا امرأة واحدة! { وعلينا أن ندرك أن الإخلاص في المقام الأول هو حق لنا، وليس واجباً علينا تجاه الآخرين، وأننا يجب أن نخلص طائعين قانعين وليس على مضض أو من باب الالتزام فحسب، أياً كان شكل هذا الالتزام، فلا يتأتى الإخلاص عنوة واقتداراً ولا رغماً عن إرادة المرء ولا حتى احتراماً أو خوفاً من شخص معين، فقد لا يعلم هو أبداً أنك مارست هذه الخيانة بأية صورة، ولكنك حتماً ستعلم أنك قمت بذلك وستكون مطلعاً على تفاصيل الحكاية وإفرازاتها، فهل جهله بالأمر يعفيك من تهمة الخيانة؟! { وفي إطار الحياة الزوجية، حيث الأرضية الأولى لاحتمالات ميلاد الخيانة وتبريرها وإيجاد الأعذار الكافية لها، يجب أن يدرك الزوجان أن بند الإخلاص غير مدرج في مستند عقد القران، وهو الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن يقيدنا به المأذون، ولكن تقرره عواطفنا وضمائرنا ونختاره بملء إرادتنا دون قيد أو شرط ودون أن يفرضه علينا عرف أو إنسان، ويجب علينا ألا نتوقف لنتساءل هل يخلص لنا شركاء حياتنا أو أحباؤنا بذات القدر؟ فلا مجال للمقارنة والندية. والإخلاص كسلوك لا يقاس أبداً بتصرفات وردود أفعال الآخرين تجاهنا، ولكنه يقاس بإيماننا المطلق به كشعور نبيل نرغب فيه ونؤمن به ونستريح له ونرضى عن أنفسنا معه. ويظل الإشكال الكبير هو ماذا نفعل عندما نضطر لممارسة الخيانة دون وعي منا أو في لحظة من لحظات الحماقة والتهور أو الضعف البشري سولتها لنا النفس البشرية الأمارة بالسوء؟ هل نسكت وندعو الله أن يسترنا على وعد ألا نعود لمثلها أبداً ونظل نعاني من عذاب الضمير؟ أم نعترف ونطلب المغفرة ونذرف دموع الندم أيضاً مع وعد بألا نعود لمثلها مجدداً، ونغامر باحتمالات فقدان الحبيب أو فقدان ثقته على الأقل على اعتقاد أنه قد يسامح يوماً؟ { تلويح: (أخونك)؟!.. هل تصدق أخونك!