الآن وفي المستقبل المنظور لا تستطيع تركيا أن تستعيد دورها العثماني القديم بقيادة العالم الإسلامي ذلك أنها من هذه الناحية مكبلة بعلمانيتها وأطلسيتها ورغبتها الحقيقية في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وحتى إذا ما تحررت تركيا من ذلك كله فإن حاجز اللغة يبقى حائلاً بينها وبين استرداد دورها القيادي القديم. ولقد يقول قائل: إن هذا الحاجز كان موجوداً أيام كانت تركيا تقود العالم الإسلامي خمسة قرون أو زهاءها وذلك صحيح لكن الصحيح أيضاً أن كثيراً من الصفوة التركية كانوا يعرفون اللغة العربية وبعضهم كانوا يجيدونها وكانت اللغة التركية تُكتب بالحروف العربية قبل أن يستبدلها بالحروف اللاتينية عشرينيات القرن الماضي مصطفى كمال أتاتورك. وكان الأتراك ذلك الزمن هم الحكام في كثير من أقطار العالم العربي والإسلامي والآن فإن وجودهم خارج تركيا محصور في السفارات تقريباً. والأتراك أنفسهم الحاكمون منهم والمعارضون لم يظهروا بعد ما يدل على رغبتهم في استعادة ذلك الدور القيادي القديم. لكن العرب هم الذين من فرط عجزهم وقلة حيلتهم حلموا وتمنوا أن تصعِّد تركيا غضبتها على إسرائيل بعد إعتدائها على أسطول الحرية في البحر الأبيض المتوسط يوم 31 مايو الماضي. وكان الدور القيادي المصري تجمّد بعد كامب ديفيد وبعد معاهدة السلام التي أبرمتها مصر وإسرائيل في 26 مارس 1979م وإنهاء حالة الحرب بين البلدين. وفي زمن مضى بعد تجميد الدور القيادي المصري تصور البعض أن العراق مؤهل لقيادة العالم العربي وحل الصراع العربي الإسرائيلي حلاً مشرِّفاً وكان العراق فعلاً مؤهلاً لأداء ذلك الدور بثروته البشرية وغنى موارده وخصوبة أراضيه وبسابق خبراته وتجاربه في قيادة العرب والمسلمين. لكن نظام الحكم فيه منذ أول الثمانينيات أهدر الموارد والبشر في حرب استمرت ثمانية أعوام مع إيران. ثم بدلاً من أن يغزو إسرائيل فإنه غزا الكويت ليؤلّب ضده العرب وأوروبا والولايات المتحدةالأمريكية. وفي النهاية في أبريل 2003م دخل الأمريكيون بكل سلاسة بغداد، وفر حكامها وفي مقدمتهم الرئيس صدام حسين. وأصبح البلد الذي كان مؤهلاً لقيادة العالم العربي محتلاً، وأينما أجلت الطرف في العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه «من أقصاه إلى أقصاه وليس من أقصاه إلى أدناه!»، فإنك لن تجد دولة عربية مستعدة الآن وراغبة في قيادة العالم العربي. فكل دولة مشغولة بواقعها غير المطمئن، ولذلك رنا بعض الأعراب إلى تركيا لتملأ فراغ القيادة في العالم العربي، وتطلع البعض إلى إيران، وجلس البعض القرفصاء منتظرين الذي قد يأتي وقد لا يأتي. ويعبّر عن الحالة العربية الآن قول الشاعر: يا ابن الوليد ألا سيفٌ تؤجِّرهُ فكلُ أسيافنا قدْ أصبحتْ خشبا