الغيرة .. إذا لم تتعد حدودها وصفت بأنها شعور مثله والعديد من المشاعر والأحاسيس .. لكنها قد تتحول إلى شعور مدمر ومؤلم في حال تجاوزها الحد المسموح به، ولكن كيف ومتى تتحول الغيرة من شعور طبيعي إلى مرض نفسي يدمر الشخص وأقرب الناس إليه؟ .. هل تصيب الرجال والنساء معاً؟ وما علاقتها بالدماغ والعوامل الوراثية؟ .. «الأهرام اليوم» حاولت البحث عن إجابات لتلك الأسئلة.. جرائم عديدة حدثت وما تزال تحدث بصورة مستمرة سببها الغيرة القاتلة..وفقد العديد من الضحايا أرواحهم وسالت دماؤهم جراء ها. وأشهر وأبرز القضايا السودانية التي لعبت الغيرة القاتلة فيها دوراً جريمة حدثت مؤخراً لطالبة جامعية لقيت حتفها على يد زميلها الذي زعم أنه عشقها وهي لم تقم بمبادلته احساس الحب بل ورفضت الاستماع له أو مجرد الاهتمام بما يملك من مشاعر نحوها وعندما لم تستجب الضحية لتلك المشاعر ما كان من القاتل إلا وأن استل خنجراً وطعنها به لتدفع المجنى عليها ثمناً لمرض نفسي ووهم قاتل أدى إلى نهاية حياتها. ولم تنس مجالس المدينة تلك الجريمة التي كان مسرحها إحدى ولايات السودان.. وكان المجنى عليه صديقاً للقاتل ولم تشفع له صداقة دامت لأكثر من عشرة أعوام ليقتل صديقه لأنه شك في وجود علاقةٍ ما بينه وبين خطيبته وتوهم بوجود العلاقة ليتحول بعد ذلك لمجرم وقاتل ليدفع هذا الصديق البريء روحه ثمناً لهذا المرض النفسي. كيف تتحكم الغيرة في تصرفات الشخص العادي وتحوله إلى قوة مدمرة تبث سمومها في وجه من تحب وتهوى؟ أسئلة عديدة طرحتها «الأهرام اليوم» وهي تبحث عن المعنى الحقيقي للغيرة فالتقت بالدكتور زهير حسن اختصاصي الطب النفسي بجامعة الخرطوم فقال إن الغيرة تنقسم إلى نوعين غيرة طبيعية وغيرة قاتلة، الغيرة الطبيعية هي الغيرة التي تأتي مع الحب بنسب طبيعية وهي شعور طبيعي وموجود مثله مثل العديد من المشاعر والأحاسيس وهذا النوع من الغيرة يعتبر مفيدا جداً لأنه يدعم الحرص على من نحب ويعمل على تجديد العاطفة ويحافظ عليها متقدة ومضاءة، وهو غير مرتبط بحب الحبيب أو العاشق لحبيبته فقط إنما يمتد ليشمل حب الشخص للعديد من اشيائه الخاصة مثل «السيارة» وحب الطفل للألعاب، وحب الأم للأبناء، وحب النساء للعطور والملابس والأواني المنزلية.. الخ أما الغيرة القاتلة فهي مرض نفسي يصيب الجنسين «الرجل والمرأة» وهو ناتج عن حدوث خلل في الدماغ وفي افراز بعض الموصلات بصورة أكبر أو أقل من اللازم. وأحياناً ترتبط الغيرة القاتلة بعدد من الأمراض النفسية مثل مرض الانفصام والإدمان. أما أعراض المرض فهي كثيرة ويكون المريض على قناعة تامة بأن الطرف الثاني في العلاقة غير أمين وخائن، وهذه القناعة تعتبر غير سليمة وثابتة وغير قابلة للاستجابة مع وجود العكس. وهذه الغيرة لا تتماشى مع التقاليد الدينية والاجتماعية ودائماً ما يبحث المريض عن دليل للخيانة. ويقول د. زهير إذا كانت المرأة هي المصابة بالغيرة القاتلة نجدها تبحث حول الرجل لتتفقد ملابسه وتبحث في أرقام التلفونات وعن الهدايا وتراقب تصرفاته وتحركاته. ونلاحظ أن الرجل المريض بالغيرة يقوم أيضاً بالبحث عن دليل لخيانة المرأة ويتشكك في تصرفاتها ويبحث في أرقام التلفونات ويراقب نظرات المرأة بل وأن الرجل المريض أحياناً يتفقد ملابس زوجته الداخلية والخارجية. وهذا النوع من الغيرة يعتبر نوعاً مدمراً وقاتلا حيث تتعرض المرأة فيه للضرب والإهانة وترتفع بسببه معدلات الطلاق بل وأنه قد يتطور أحياناً ليؤدي إلى حدوث جرائم قتل. وفي ذات السياق ذكر الدكتور زهير أن ارتباط المرض بأمراض نفسية أخرى يحدث لأسباب عديدة منها الإدمان أو الانفصام فعادة ما يشكو بسببهما المريض من الإحساس بعدم الكفاءة والأهلية حسب دراسات علم النفس التحليلي. انه مرض الاكتئاب النفسي فهو عادة ما يصيب الكبار ما بعد سن الستين حيث يفقد الرجل والمرأة القدرة الجنسية ليبدأ الشعور بالنقص والضعف الجسدي والغريزي فيعتقد المريض بعد ذلك أن من يحب في حالة بحث عن شريك آخر لتكميل احتياجاته الغريزية. وأشار دكتور زهير في حديثه ل(الأهرام اليوم) إلى أن آخر الدراسات المقدمة في علم النفس تفيد بأن الوراثة تلعب دوراً كبيراً في انتقال المرض من شخص لآخر وهنالك بعض الدراسات أيضاً عملت على ربط كثرة العلاقات العاطفية والجنسية في حياة الأفراد بصورة عامة بحدوث مرض الغيرة القاتلة إذ يفقد المريض بالغيرة القاتلة الثقة في كل من حوله ويعتقد أن زوجته أو صديقته أو عشيقته يمكن أن تتصرف كباقي سيئات الخلق اللائي عرفهن المريض من خلال تجارب عاشها أو مازال يعيشها في الوقت الحاضر. وبالحديث عن أعراض المرض وتصرفات المريض بالغيرة القاتلة جلست (الأهرام اليوم) إلى المعالج النفسي والاختصاصي الاجتماعي الأستاذ إبراهيم أحمد الخضر الذي أوضح أن المرض يرتبط بالشك. فمثلاً في حالة مرض الزوج بالغيرة القاتلة يكون دائم الشك في الزوجة ويفسر بعض سلوكياتها الطبيعية على أنها غير ذلك ويشك في انها تخفي أسرارا، ويتكتم على هذه الشكوك ويبدأ بالتلميح عن بعض الأفكار التخويفية ليدخل بعد ذلك في سلسلة من التحقيقات المزعجة والإصرار على معرفة كل التفاصيل الحياتية ليتغير بعد ذلك سلوك الزوج ليتسم بالصرامة والجفاء ويفسر بعض المواقف على أنها خيانة. بعد ذلك يبدأ الزوج في البحث عن دليل لإثبات شكوكه..! كيف يعالج مريض الغيرة القاتلة؟ أشرنا إلى أن مريض الغيرة يعاني من خلل في جزء معين من الدماغ حيث أن إفراز بعض الموصلات الدماغية دائماً ما يكون أكبر أو أقل من اللازم. وعلاج مرض الغيرة يتم بواسطة العقاقير الطبية التي تزيد أو تُنقص من عدد الموصلات وهذه العقاقير الطبية عبارة عن مضادات الذهان وعادة ما تتم الاستجابة للعلاج بصورة سليمة. أما جلسات العلاج النفسي أو التحدث مع المريض لإزاحة سيطرة أوهام وأحاديث معينة من دماغه وتفكيره فهي غير فعالة لأن المريض يكون قد وصل إلى مرحلة متطورة جداً من المرض، حيث سيطر المرض على خلايا كبيرة من الدماغ. وبالإضافة إلى العقاقير الطبية يعطى المريض علاجاً وقائياً يساعد على ايجاد البصيرة ويجعل المريض ملتصقا بالواقع وقادرا على التصرف الصحيح واستخدام الحواس الخمس بصورة ملازمة وسليمة كما يحس العلاج من الاستقبال السليم للأشياء. وأجمع العديد من الأطباء النفسيين أن مرض الغيرة القاتلة من الأمراض المتفاقمة والمتنامية في المجتمع حيث تدخل العديد من الحالات العيادات الخاصة والمستشفيات إلا أن التوعية بأهمية العلاج النفسي بمقدورها معالجة المجتمع وحمايته. قانونياً نجد أن المادة الثامنة من القانون الجنائي نصت أن لا مسؤولية على الشخص المكلف المختار ولا مسؤولية إلا عن فعل غير مشروع يرتكب بقصد أو يرتكب بإهمال، فأفعال فاقد التمييز توضح المادة عنه أنه لا يعد مرتكباً جريمةً الشخص الذي لا يكون في وقت ارتكاب الفعل المكون للجريمة مدركاً لماهية افعاله أو نتائجها أو قادراً على السيطرة عليها بسبب الجنون الدائم أو المؤقت أو العاهة العقلية أو النوع أو الإغماء أو تناوله مادة مسكرة أو مخدرة بسبب الإكراه أو الضرورة أو دون علمه فإذا كان باختياره وعلمه يعد مسؤولاً عن فعله.