الخرطوم - مناهل يوسف نفيسة نورالدين الغيرة تدل على الاهتمام أو الحب، وبمرور الوقت قد يشعر الشخص ببرود العواطف، فليجأ إلى سكب شيء من الغيرة داخل صنوه حتى يؤجج ثورة الحب الذي كاد يخبو.. ولكن هناك ما يُعرف ب «الغيرة القاتلة»، وهي الزائدة عن اللزوم أو الحد الطبيعي، بحيث تُصبح حالة مَرَضيّة يصعُب على الشخص التخلُّص منها، وغالباً ما تُعرِّض صاحبها للمشاكل أو الانفصال وارتكاب الجرائم التي انتشرت كثيراً في الفترة الأخيرة، ودائماً ما تقود للهاوية وتصل أحياناً لدرجة الشك.. فلابد أن تكون هنالك حدود للغيرة - كما يرى الكثيرون - حتى لا تُفسد الحياة.. وكما يقول المثل (كل شيء زايد عن حده ينقلب لضده).. ودائماً ما تكون الغيرة من جانب الرجل أكثر من المرأة خاصة الرجل السوداني الغيور - كما يرى بعض من استطلعناهم - الذي لا يستطيع أن يُسيطر على نفسه بجانب أنه سريع الانفعال. «الأهرام اليوم» سألت البعض عن هذا الإحساس فماذا قالوا؟ تحدثت إلينا أولاً «م ع» وهي متزوجة قائلة: أعاني من مشكلة كبيرة كادت تُدمِّر حياتي لولا تدخُّل الآخرين.. إذ أنني شديدة الغيرة على زوجي، حتى إذا تحدث مع أخواته في المنزل أو زميلاته في العمل، ودائماً ما أبحث في جواله لأتاكد من أنه لم يتلق أي اتصال هاتفي من فتاة، حتى في مجال عمله، علماً بأن زوجي رجل أعمال كبير، وأنا على يقين تام بأن عمله يجبره على التعامل مع النساء بوجه الخصوص. أما «طارق» فأكد أنه غيور بصورة مَرَضيّة، وهو يعلم ذلك، مما سبّب له الكثير من المشاكل مع خطيبته وأهلها الذين انتابهم الشك بأنه قد يختلف معها ويمكن أن يتركها بعد الزواج.. وذلك بسبب الغيرة الزائدة عن حدها. وقال «طارق» إنه يتمنى ألا تتعامل خطيبته مع أي شخص غيره حتى في النطاق الأسري.. وأضاف أنه يتصل بها هاتفياً بصورة غير طبيعية إذا كانت خارج المنزل.. ويسألها: مع من تحدثت وبمن التقت في طريقها إلى منزلها؟على الرغم من ثقته الكاملة فيها لكن نار الغيرة تشتعل بداخله على الدوام. أما «ن م» فقالت: اعترفت لزوجي بأنني غيورة جداً لدرجة أنني دائماً ما أراقبه حتى في نظراته للأُخريات، خاصة في المناسبات المختلطة، وأسمع همس الحاضرات بأنني متخلّفة وأراقب زوجي.. وقد عانيت كثيراً من الغيرة ولا أجد حلاً لها حتى الآن، وأصبح زوجي يتضايق من تصرفاتي المحرجة له، والتي بدأ الجميع يلاحظها، وأنا خائفة من فقدانه بسبب الغيرة المُفرطة. وللغيرة صور عديدة، وليست تكمن بالضرورة في علاقة الرجل والمرأة.. وهذا ما وضح في كلام «عائشة» التي تقول: أشتكي من غيرة ابني الأصغر الذي يظن أنني أحب وأهتم بأخيه الأكبر أكثر منه.. ودائماً ما يسألني إذا كنت أحبه مثله، وهو شديد العداوة له بحكم أنني الأقرب له منه لأنه هو المسؤول عن الأسرة.. لذلك أمتدحه كثيراً بأنه مُطيع ومهذّب، ولكن الآن تقرّبت لابني الأصغر ومازالت الغيرة والمقارنة موجودة في نفسه. وفي السياق تحدث إلينا د. ياسر موسى الاختصاصي النفسي بالقول: الغيرة تعتبر سمة من سمات الشخصية النرجسية المحبة لذاتها، وتظهر بشكلها الغريزي منذ الطفولة، إذ يغير الطفل على أمه من أبيه، وإذا جاء طفل آخر أو إخوة أيضاً تبدأ مشاعر الغيرة، وهي بهذا الشكل تكاد تكون سمة ملازمة للإنسان منذ الطفولة، وهي في الأصل إحساس بالخطر على الذات ومكتسباته نتيجة ظهور شخص آخر.. كما أن الإفراط في الحب لشخص معيَّن يجعلنا أكثر احساساً به، وبالتالي الخوف من فقدانه.. وهناك أنوع كثيرة منها الغيرة بين الأزواج، والغيرة بين الإخوة، وهذه تكون حسب السلوك السائد في الأسرة من خلال تعاملها مع الأبناء ومدى درجة المساواة بينهم في التعامل، حتى لا تزرع بينهم التفرُّقة حتى لو كانت في مستوى الحب. وهناك أيضاً الغيرة بين زملاء العمل، وكل هذه نتيجة التنشئة الاجتماعية غير السوية التي قد تتحوّل إلى حالة مَرَضيّة إذا زادت عن الحد المسموح به. ولكن هناك غيره إيجابية توجد المنافسة بين الأبناء والطلاب بزرع روح التعاون والمنافسة، والغيرة على الوطن والعمل العام، وهذه هي الغيرة المطلوبة التي قد تؤدي إلى تنمية اجتماعية وسلوك اجتماعي حضاري في العلاقات بين أفراد المجتمع.