التفت صوب الصوت، وأمعنت النظر، فإذا بها زميلة عزيزة تعمل في إحدى الصحف، وقد مرت فترة منذ رأيتها آخر مرة. إمعان النظر سببه مظهر الزميلة ، فقد كانت ترتدي التوب، وهو ما لم أعتده، حيث ظلت ككل الفتيات ترتدي الملابس التي تملأ الساحة ، بعد أن تنحى التوب، وترك الدنيا لغيره من الموضات. كم كان تعلقنا متينا بالتوب، وكم فعل بقلوبنا ما فعل ! لقد كان زينة لا تفوقها زينة، ولطالما تغنى به أبناء جيلنا .. شعراء ومطربين .. فأعطوا للدنيا أجمل الغناء، وعبقوا في حياتنا بأحلى القريض ! تغيرات كثيرة حدثت في العقود الأخيرة، وموضات الملابس لم تكن استثناء، فبناطلين الشارلستون التي كنا نتزين بها، تبخرت مع الزمن، وجاءت بناطلين أخرى، تملأ الجيوب مساحتها، وتنتشر بها السيور، وأحيانا الرقع، وتبدو أحيانا مبرقعة، بل وممزقة في أحايين أخر ! حتى قمصاننا الزاهية، مثل (تحرمني منك) .. اختفت، واحتلت الساحة موضة (التي شيرت)، بألوانها المتعددة، وعباراتها المكتوبة باللغة الإنجليزية، لتكون زينة للشباب، ورمزا لأناقتهم وفتوتهم ! الفتيات أيضا كان لهن نصيب، بل نصيب الأسد والنمر والفيل، حيث اختفى التوب بالتدريج، وبدأت الأزياء الجديدة تملأ المكان. الدنيا امتلأت بالبلايز، والاسكيرتات، والطرح التي تغطي الرأس، وأحيانا الأغطية الإضافية للشعر، وتغير مظهر الأنثى السودانية بشكل كبير وسريع، وبدأ التوب ينحسر، وينحصر في المتزوجات، وكأنه يريد أن يصبح علامة .. نفرق بها بين المتزوجة، وغيرها من الفتيات ! التغيير كان لأسباب متعددة، ربما كان منها الترشيد المادي، وربما كان القناعة بضرورة اختيار ملابس أكثر عملية، وربما كان السبب أعرافا استجدت، بفعل الواقع والمفاهيم المتنفذة فيه حاليا. قلت لزميلتي التي حيتني : كدت ألا أعرفك، فالتوب أعطاك مظهرا جديدا. فقالت مبتسمة : (نيو لوك) يا أستاذ ! صديق من الهائمين حبا بالتوب، يؤكد بإصرار أن التوب عائد للساحة، فالظواهر التي تعتري الثوابت لا تخلد، والتوب كما يقول ثابت مثل التاكا، وسيعود بهيا أنيقا متألقا .. طال الزمن أم قصر ! شخصيا، أحب التوب، وأجده يضفي على الفتاة جمالا فوق جمالها ، إضافة إلى أنه حشمة، ورقة، ويعطي من ترتديه هيبة أنثوية مطلوبة، ترفع من مقامها، وتحفظ مكانها المهيب الموقر في النفوس. لكن فتياتنا .. وفي كل الأحوال، أنيقات، ومحتشمات، وجميلات، سواء كن بالتوب الأخاذ، أو بالعباية ذات التصاميم المتنوعة، أو بالبلوزة والاسكيرت، أو حتى بالتونيك والبنطلون !! جميلة أنت يا حواء السودان، فتدللي ما شاء لك الدلال !