{ في حي بيت المال بأم درمان من الناحية الجنوبية الشرقية المطلة على شارع الرئيس الراحل إسماعيل الأزهري وعلى بعد أمتار من كوبري شمبات الذي أقامه نظام الفريق إبراهيم عبود وافتتحه عبد الله عبد الرحمن نقد الله وزير الحكومات المحلية منتصف ستينات القرن الماضي. { في هذا الموقع بيت عادي يشبه بيوت الطبقة الوسطى التي يرى البعض أنها اندثرت وأن السودانيين أصبحوا طبقتين: واحدة فوق جداً وأخرى تحت إلى أسفل سافلين. وفوق هذا البيت لافتة عليها علم السودان القديم بألوانه الثلاثة الأزرق والأصفر والأخضر وهو العلم الذي رفعه رئيس الوزراء الزعيم إسماعيل الأزهري وإلى جانبه زعيم المعارضة الأستاذ المحامي محمد أحمد محجوب صباح أول يناير 1956م في سراي الحاكم العام التي أصبح اسمها القصر الجمهوري. واللافتة التي فوق هذا البيت العادي المطل على شارع الرئيس الراحل إسماعيل الأزهري في حي بيت المال بأم درمان تحمل اسم «دار الأصل» ومن الواضح أنها تتبع للاتحاديين الديمقراطيين الذين يرأسهم السيد محمد عثمان علي الميرغني زعيم الختمية ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي. { وتملكتني حيرة ما لمداها حدود، ولو أنهم كتبوا على اللافتة دار الحزب الاتحادي الديمقراطي لفهمنا أن المقصود هو الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي يرأسه السيد الميرغني؛ فكل الأحزاب التي انشقت حملت اسم الحزب مع بعض الإضافات ولذلك فإن الكتلة الأساسية التي يقودها السيد الميرغني لم تكن محتاجة إلى أية إضافة إلى اسم الحزب الأصلي الذي هو الاتحادي الديمقراطي الذي كان اسمه الوطني الاتحادي وهو الحزب الذي نفّذ منتصف الخمسينات ملاحم الجلاء والسودنة والاستقلال ثم انشق في يوليو 1956م إلى حزبين هما: الوطني الاتحادي بقيادة الزعيم إسماعيل الأزهري والشعب الديمقراطي برئاسة الشيخ علي عبد الرحمن الأمين الضرير، ثم اندمج الحزبان أواخر عام 1967م في حزب واحد حمل اسم الاتحادي الديمقراطي وكان يرعاه السيد علي الميرغني ثم ابنه السيد محمد عثمان ويرأسه الزعيم إسماعيل الأزهري وكان له نائبان هما الشيخ علي عبد الرحمن والشريف حسين يوسف الهندي وكان أمينه العام هو الدكتور أحمد السيد حمد. { وكان هذا الحزب حتى مايو 69 هو أكبر حزب في البلد وكان في الأربعينات وأول الخمسينات مجموعة أحزاب اتحادية ثم اندمجت عام 1953م في حزب واحد هو الوطني الاتحادي. { كيف ولماذا نغيِّر كل ذلك الإرث الفاخر؟ وكيف ولماذا نغيِّر اسم حزب الحركة الوطنية ليصبح حزب الأصل وليصبح اسم الدار التي تستضيف نشاطاته وتنطلق منها كفاحاته ونضالاته هو دار الأصل؟!