واحدة من الاشكاليات التي تلتصق ببعض الفنانين السودانيين إن لم يكن أغلبهم، عدم إدراكهم لمعنى النجومية وحجم الجماهيرية التي يتمتعون بها. وبدءاً حتى لا أُفهم غلط دعوني أوضح الصورة، فأنا بالتأكيد لا أدعو الفنانين أن يتعاملوا بتعالٍ أو غرور مع جمهورهم بل على العكس أكثر الفنانين تواضعاً هم أكثرهم عطاءً ومحبة أو هكذا يجب أن يكون. لكنني أقصد أن الفنان وبمجرد (طلوعه) المسرح ليغني، عليه أن (يركِّب ماكينة برستيج) تميزه عن البقية باعتباره نجماً ساطعاً وذلك في ملبسه، وسلوكه، وكلامه، وتعبيراته، بل كل حركاته وسكناته، لأنه دائماً ما يكون محط الأنظار ومراقب. وتحت (المايكرسكوب) والفعل الذي يمكن أن يفعله شخص عادي يمكن أن يمر مرور الكرام. لكن إن قام به مبدع أو فنان (ما القيامة بتقوم). ودعوني مثلاً أضرب مثالاً على ذلك بالفنانين العرب وخلونا من العالمين ديل لأنه حكايتهم حكاية! فالفنان تجده محاطاً بحاشية من مديري الأعمال ومن (الاستايلست) الذين يهتمون بمظهره وشكله وربما يتدخلون في طريقة كلامه وحتى مشيته وبعض الفنانين الكبار يمنح نفسه الحق في أن يرفض أن يغني في المهرجان الفلاني لأن معه زيد أو عمرو من الفنانين وهو حُر في اختياراته. لذلك يوم أن انتقدت الفنان الكبير محمد ميرغني رد الله غربته طيباً معافى لجمهوره وعشاق فنه يوم أن انتقدته في حفل قناة زول وقلت كيف له أن يرضى أن تشاركه المسرح (إيمان لندن وهايمونت الإثيوبية) وهو الفنان الكبير الذي يفيد الظهور إلى جانبه إعلاناً غير مدفوع القيمة ولو فرضنا جدلاً أن الجهة المنظمة للحفل قد أصرت على إيمان وصاحبتها فكان من باب أولى أن يطالب محمد ميرغني ألا تظهرا على الأقل إلى جانبه في المسرح. على فكرة أنا لست ضد المجايلة أو المجاملة أو حتى لنقل منح الفرص لأصحاب الموهبة (وركزوا معاي في أصحاب الموهبة دي) يعني ممكن فنان واعد يظهر إلى جانب فنان كبير من باب الدعم والتشجيع لكن أن تطلع (أي غناية) إلى جانب محمد ميرغني أو وردي، ده مكسب لها ما بعده مكسب. بالمناسبة تذكرت وأنا أشاهد الحفل الذي بثته فضائية (قوون) على شرف فوز الأخ الشاذلي عبد المجيد في انتخابات الاتحاد المحلي تذكرت قصة حكاها أحد الذين كانوا قريبين من طاقم الرئيس الراحل جعفر نميري حينما قال إن أحدهم طلب منه خدمة ما بأن يوقع له الرئيس الراحل على طلب لأمر يخصه، فما كان ممن يحكي القصة إلا أن قال لصاحبه أنا ممكن أخلي الرئيس يوقع ليك على الورقة، ودي حتأدي ليك خدمة واحدة. لكن لو أني تركتك تمر بوجهك خلف الرئيس وهو يقرأ خطابه الشهري عبر التلفزيون وشاهدك الناس خلف النميري شخصياً لفتحت لك كل الأبواب المقفولة لأنك لو ما مهم البجيبك وراء الرئيس شنو؟ تذكرت هذه الحادثة وأنا أشاهد (مونيكا) تنط على المسرح دون أن يدعوها أحد لتقف بجانب سلطان الطرب كمال ترباس وكأنها فردة ثنائي معه والغريبة أن السلطان لم يمنحها المايكروفون لتغني كما شهدته يفعل مع كثير من زملائه الكبار لأنه لو كان فعلها (لقاطعته إلى الأبد). في كل الأحوال أقول إن الفنان السوداني عليه أن يعرف قيمة نفسه وأقول الفنان ذلك الذي حفر في الصخر ليؤرخ لنفسه تاريخاً طويلاً رواه بمعاناته وتضحياته وصفحات ناصعة من العطاء ولوحات بازخة من الجمال منح فيها الشعب السوداني رحيق عمره وعاطر أيامه أما مغنيات الصدفة (والرجالة) فعلينا ألا ندع تأثيرهن يخرج من بيوت الصبحيات لينداح عبر الفضاء وكمان الواحدة تقيف بقوة عين جنب السلطان كمال ترباس! ذلك الذي لو أن برج الفاتح وقف بجانبه لكان لنا رأي!! { كلمة عزيزة واحد من الشباب الذين ظلموا من الأجهزة الإعلامية كثيراً لأنه لم يجد فرصته في الظهور هو الفنان الشاب طارق الأمين لكنه رغم ذلك يملك إرادة لا تلين وهو يصر على أن يظهر بعرق جبينه وبجهده لأن البقاء في النهاية للأفضل وللأحق ولعله يستحق أن يفرد له المنتدى العائلي منتداه يوم غدٍ الاثنين ليعكس تجربته الوليدة في تواصل للأجيال يمتد به وبغيره من الشباب والليلة في ظني ستكون ملعباً للفن والموهبة لأن لاعباً آخر سيجمّلها حضوراً وعطاء وهي الفنانة ندى القلعة التي ستعكس تجربتها هي الأخرى ليكتمل المعنى الحقيقي لتواصل الأجيال وبالتأكيد سأعود لليلة الاثنين حديثاً مفصلاً وبوحاً بلا حدود. { كلمة أعز أخيراً أصدر الأخ حسن فضل المولى قراراً شجاعاً بتحديد مكياج وزي المذيعات على الشاشة لكن القرار الذي ينتظره وهو الأكثر خطورة أن يطيح بمن لا تملك الموهبة ولا المقدرة ولا الامكانيات وحتى ذلك الوقت فليتنافس المتنافسون!!