قبل عقد من الزمان تذكرت تلك الأنباء السارة من خلال الإذاعة المرئية والمسموعة بأن وزارة الصحة بولاية الخرطوم سوف تقوم بمكافحة البعوض خلال حملات للرش بالطائرات وأعلنت عن برنامجها شرق وغرب وشمال وجنوب الولاية. وفي اليوم المحدد لرش المنطقة التي أقيم بها استيقظت مبكراً وأبعدت عن مواقع (الرش) كل ما له صلة بالطعام والشراب، بل اتخذت كل التدابير اللازمة لمثل هذه المواقف. ولم يطل انتظاري وأزيز صوت طائرة يخترق أذني وهي تمر على انخفاض ثم تغيب عن ناظري وعاودت الكرة مرة أخرى وثالثة وهمست في داخلي: (لابد أن تكون قد أصابت أهدافها) ولمزيد من الدقة ولمعرفة أبعاد مداها وقوة تأثير مبيدها، بدأت أتفحص فعالية الرش العالية على الحيوانات والحشرات التي تسرح وتمرح على جدران منزلنا أولاً وكنت مطمئناً أنني سوف أجد ضحايا من (الضبوب) جمع ضب طبعاً والسحالي والنمل والصراصير التي قضت أو في حالة إغماء وغيبوبة ولكن المفاجأة ألجمت لساني إذ شاهدتها تتسابق وتسرح على الجدران وكأنها في حالة احتفال!! وحتى أخفف من الصدمة عللت ذلك بأن تلك الحيوانات والحشرات لم تكن المستهدفة وليست المقصودة بمعركة الإبادة هذه، ولابد أن يكون القمر الصناعي الصحي قد التقط الصور والخرائط التفصيلية لأماكن البعوض فقط وتم القضاء عليه في هذه الطلعات الجوية!! وفي المساء ومع انقطاع التيار الكهربائي أمسك جهاز الاستقبال في أذني (أزيزاً) فقلت في نفسي: (لعل الطائرات عادت لتواصل رشها ليلاً) بيد أنني اكتشفت أن الأزيز صادر عن بعوض وبالصوت المجسم على طريقة الأفلام الهندية بقاعة الصداقة، إذن ما الذي كانت تفعله تلك الطائرة في طلعاتها الصباحية؟! ماذا أصابت تلك الطائرة بصواريخ مبيداتها؟ لابد أن تلك الطائرة أسقطت مؤناً وإمدادات لقوات البعوض حتى تواصل زحفها المقدس ولا يهم إن كانت معدتها قلوية أو حمضية. نأمل إذا فكرت وقدرت وزارة الصحة بالولاية أن تشن حملة رش بالطائرات على البعوض وأشباهه من مصاصي الدماء الآدمية، والخريف على الأبواب و(الشبابيك) أيضاً، أن يركزوا (جرعة المبيد) حتى نستطيع أن نبيد هذا الجيل من البعوض الذكي الذي لم يتربِّ على (التلقين). { مسطول قابل واحد لابس ساعة فقام سأله: (الساعة كم؟) فأجابه: (خمسة وخمسة).. رد عليهو المسطول بعجرفة: (إنت ما بتعرف تقول عشرة وخلاص؟!).