غاب منظر ذلك الموظف الذى كان يحمل آلته على ظهره ويمد «خرطوشها» بدخانه الكثيف يطرق أبواب البيوت باحثاً عن برك المياه وداخل الغرف.. فتجد الحشرات تتفق كلها على الهرب أمامه.. انه فني مكافحة البعوض الناقل لآفة مرض الملاريا.. لنجد هذا الموسم الذى توشك أمطاره على عزف لحن الوداع بعد خريف أدخل الفرحة وأنزل الدمعة ان الخرطوم تعلقت ابصارها كباراً وصغاراً بالسماء وهي تشاهد طائرة تكاد تلامس أجنحتها رؤوس المنازل في مشهد يضيف عليه قائدها إثارة بفنياته البهلوانية.. انها طائرات الرش التي ألهب أزيزها الأسماع.. وقد اختارتها الخرطوم لمكافحة البعوض والآفات الناقلة للأمراض.. يقولون: انها الأنجع علاجاً.. والأكثر وقاية.. المنظر يثير فضول الأطفال بين الرغبة في المشاهدة والرهبة من هذا الذى يرمى بظله قرب أسطح بيوتهم وفوق ساحات لعبهم.. وعبدالكريم محجوب قائد الطائرة يقوم بواجبه برش كل المناطق السكنية في الولاية منعاً لانتشار وتوالد البعوض.. الحاج عبدالله.. أشاد بالفكرة.. وقال: الطائرة توفر الوقت والجهد.. اما الأطفال مجتبى وهند ومحمد فقد اجتمعوا على انهم يطاردونها بأعينهم.. فبينهم من يقول انها ضلت طريقها عن المطار.. أو انها أصبحت نشيداً بدلاً عن المطر «يا طيارة رشي لينا».. وهنالك من يخاف ان تقع عليه.. وهو يخاف «صوتها» العالي وحجمها الكبير الذى يفوق مئات المرات حجم الطائرات الموضوعة في مخزن لعبهم..