عاصفة عاتية، من العيار الثقيل، كسرت النصال والسياج والأسوار، مصحوبة بالضجيج والفوران، انطلقت من كنانة الدكتور علي السيد صوب أروقة الاتحادي (الأصل)، في الأيام الفائتة، من خلال مشهد مثير قلب الموازين، وفتح الجداول، وانداح إلى منطقة الشمع الأحمر على صعيد الحزب. عاصفة علي السيد، رآها البعض في حزب الوسط الكبير، من زواية الانقلاب على القداسة، والإبحار إلى عالم المحرمات، والتطاول على تخوم المرجعية. بينما ارتسمت في أذهان الفئة الأخرى وكأنها أهزوجة وردية، تبشر بطلوع الصبح، وتتفاعل مع الزمن، وعصر المعلوماتية، واكتشافات الفضاء، لخلق حزب ديمقراطي النزعة، شفاف الملامح، تكون الأولوية والميزات في داخله للعطاء قبل الولاء. لقد انطلقت عاصفة الدكتور علي السيد في شكل وابل من الهجوم الكاسح، على أسلوب إدارة مولانا محمد عثمان الميرغني للاتحادي (الأصل)، والتجمع الوطني، واصفاً المنهج بالتغول والانفراد الشديد باحتكار القرار لوحده. وأردف علي السيد قائلاً إن حزبه لا توجد بداخله مؤسسات وهياكل على أرض الواقع!! وأشار علي السيد إلى غياب الرؤية والخطوط العامة، واختلاط الحابل بالنابل في الاتحادي (الأصل)، لا سيما في موضوع الوحدة الاتحادية، والتوجهات العامة، وقد حمل علي السيد حصيلة التركة الثقيلة في الحزب؛ لسياسات مولانا!! كان من الطبيعي أن تتصدى لجنة المراقبة والانضباط في الاتحادي (الأصل) للأستاذ علي السيد، عندما احتلت قذائفه حيال زعامة الحزب؛ الواجهة ودائرة الضوء في المسرح السياسي، فقررت تجميد نشاطه، غير أن علي السيد لم يعترف بأهلية اللجنة التي لم تحصل على إجازة المكتب السياسي!! حقائق الأشياء تؤكد بأن الأستاذ علي السيد كان في الأمس القريب يمثل نموذجاً للقيادات المقربة من مولانا، بل كان يحسب من أهل الحظوة وجماعة السلطان، فما الذي جرى الآن؟ إنه لشيء بالغ الغرابة والدهشة، أن تتحول علاقة الحلفاء إلى اختبار مؤثر على عضد الزمن!! فهل شعر الدكتور علي السيد بأن الأمور في حزبه صارت إلى درجة من السوء والانحطاط، لذلك جاءت احتجاجاته على ألسن من لهيب لتضيء طريق التطور والمعالجة؟ أم أن الدكتور علي السيد ذاق طعم الظلم والتخطي والإهمال المقصود في الفترة الأخيرة، وهو الذي كان دائماً في مركز الرحابة والقيادة مرفوعاً على أكتاف نضاله ودخوله سجون الإنقاذ في السنوات الغليظة؟! ودائماً النفس الطبيعية التي ترتفع إلى الدرج الأعلى في العمل العام لا تقبل إرجاعها إلى الوراء من باب التأديب والكيد، خصوصاً إذا كانت ترتكز على العطاء والكفاءة! لقد حاول الدكتور علي السيد بعد مجيء مولانا للداخل أن يبتلع في صعوبة إمكانية أن يترأس منظومة تجمع الداخل الذي ارتبط باسم قيادي حزب آخر، لكنه لم يستطع!! بل رأى أن مجهوداته وإسهاماته الكثيرة لا توفر له عضوية التمثيل والحراك في كثير من اللجان الحزبية!! لقد تلاقح الإحساس بالحيف والظلم في صدر علي السيد مع الأوضاع المتردية في الاتحادي (الأصل) في شكل ثنائية متكاملة فأخرج من الدواخل هواءً ساخناً ارتج له ميزان الحزب. ومن هنا ارتكزت عاصفة علي السيد في الاتحادي (الأصل) على مسارين في سياق توظيف الاستهداف الذي يلاقيه أي سياسي إلى قضية عامة تتوكأ على واقع الإحباطات والسلبيات الموجودة في الحزب، فالإنسان بحكم تركيبته يثور لكرامته الشخصية أولاً، ثم كرامة الحزب وكرامة البلد!! فالاتحادي (الأصل) في نظر المراقب الموضوعي قد تقزَّم بعد أن كان مارداً جباراً، وخبا بعد أن كان بدراً منيراً، وصار في ذيل القاطرة بعد أن كان في الثريا. وفي السياق، قد يذهل الكثيرون إذا علموا بوجود علاقة متينة بين علي السيد والمحامي بابكر عبد الرحمن المراقب العام للحزب، وكيف أنهما يتبادلان النكات عبر الهاتف دون انعكاس مؤثرات موضوع المحاسبة والمساءلة، وعلى ذات السياق لا توجد احتقانات شخصية بين علي السيد والمحامي هشام الزين مقرر مكتب المراقب العام. ربما تكون غلطة علي السيد تكمن في تحالفه المؤقت مع بعض السماسرة ودهاقنة المشاركة في السلطة داخل الحزب، الذي جاء من زاوية لعبة الصراعات في العملية السياسية!! هكذا انداحت عاصفة علي السيد مترادفة مع تحذيرات وفرمانات لجنة المراقب العام إذ دخل الطرفان في معركة حامية الوطيس في ردهات الحزب والوسائط الإعلامية، وبقدر ما يعكس هذا النموذج نوعاً من الممارسة الديمقراطية؛ فإنه يكون أكثر تأهيلاً للتعبير عن قضايا الاتحادي (الأصل) لو جاء عبر التشكيلات التنظيمية، حتى لو كانت موجودة في المتحف. علي السيد من جانبه ذكر بأن صبره قد عيل وأن نصائحه وملاحظاته تقابل بالسخط وتقطيب الجبين!! مهما يكن، فإن توتر العلاقة بين مولانا وعلي السيد قد لا تستمر طويلاً، مثل رحيل الغيمة في السماء، وكلاهما يرتبط بركائز أساسية وملفات مشتركة تجعل الانقطاع الدائم بينهما ضرباً من المستحيلات.