سألت البائع في السوق الأمدرماني وأنا ممسك ببنطلون معروض بالمحل. أجاب البائع : بعشرين جنيها . سعر جيد، أو هكذا بدت لي الأمور لأول وهلة، فبالإمكان الآن شراء بنطلون، ومعه قميص، دون أن تنهدم أركان الميزانية .. على رؤوس المنازل وأصحابها !! في أيام صعبة، سادت منذ عقود، كان شراء بنطلون وقميص من النوع الجيد، يعني أن تذهب الماهية في خبر كان !! ومع ذلك .. لم نكن نفضل العري طبعا، فكنا نشتري ما نستطيع بالماهية، وباقي الشهر عليك يا الله !! الآن الأسواق تمتلئ بالملابس والبناطلين والقمصان، وهناك التي شيرتات والبلايز والاسكيرتات وغيرها، وكلها بأسعار معقولة. طبعا المفارقات السعرية موجودة، فنفس البنطلون الأمدرماني (أبو عشرين)، معروض في مكان آخر .. في حي مرفه .. بخمسين جنيها !! والكسلان يلجأ للأسواق المرفهة، أما الغلبان، فعليه بالأسواق المزدحمة، التي تتدافع فيها الركشات والكارو والهايسات (كما أردد دائما) .. ليحظى أخيرا بما يريد بالسعر المعقول . بنطلون العشرين جنيها ليس غاليا، لكني تذكرت أن البناطلين في أسواق الرياض الشعبية أرخص بكثير مما هي عليه في الخرطوم. ففي السعودية تتراوح أسعار البناطلين الرخيصة ما بين خمسة عشر ريالا وخمسة وعشرين ريالا، وكلها تأتي مستوردة من دول آسيوية كالهند وبنغلاديش، وهذا يعني أن سعر البنطلون في الرياض يساوي نصف سعره في الخرطوم. والأمر نفسه ينطبق على بقية الملابس. نحن أيضا نستورد البناطلين، رغم أن لدينا مصانع صغيرة لا تقدر على المنافسة، وتختنق بفعل منافسة الملابس المستوردة. نستورد البناطلين وغيرها، ومن نفس المصادر التي تستورد منها دول الخليج، ورغم ذلك يتم بيعها بأسعار أعلى كثيرا في الخرطوم، قياسا بأسعارها خارج السودان ! طبعا مشكلتنا مزدوجة، فالدول المصدرة تبيع لنا بأسعار أعلى من تلك التي تبيع بها للخليج، لأن الكميات التي نشتريها أقل مما يشتريها أولئك، كما أن جماركنا الله يهديها لا تتوانى عن فرض الرسوم الباهظة على الاستيراد، وطبعا هي تهدف لتوفير موارد للميزانية التي تنهكها المصالحات والترضيات والمناصب الوزارية والدستورية، فينعكس ذلك على الأسعار، ويدفع الناس صاغرين أسعارا أغلى للملابس، حيث أنهم مثلما كنا لا يفضلون العري أمام الآخرين !! الحمد لله، البناطلين الآن، أرخص مما كانت عليه منذ عقود، وكذلك القمصان وبقية الملابس، ورغم أننا نريد أسعارا أدنى وأرخص تشابه أسعار الخليج، لكننا نقول إن شراء البنطلون والقميص لم يعد في هذا الزمن، يفتك بالماهية ، ويهدم الميزانية على رؤوس المنازل وأصحابها الميامين. إنه مكسب كبير .. فالحمد لله رب العالمين !