مرت أمس 14 يوليو الذكرى الثانية والخمسون لأحد أهم الإنقلابات العسكرية في المشرق العربي وهو الإنقلاب الذي نفذه الجيش العراقي بقيادة الضابطين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف .. وأصبح الأول رئيساً لمجلس قيادة الثورة والثاني نائباً له. لكن العلاقة بينهما لم تستمر طويلاً فقد دب الخلاف بينهما ليبعد عارف من المجلس لكنه في فبراير 1963م قاد إنقلاباً ناجحاً وكانت معه مجموعة من الضباط البعثيين. أقصى قاسم من الحكم .. وكانت نهاية الرجلين مأساوية فقد قتل الرئيس قاسم في فبراير 63 في مبنى وزارة الدفاع ببغداد ومات الرئيس عارف عندما سقطت طائرته عام 1966م. وكان أهم ما حققه إنقلاب يوليو 58 إلغاء النظام الملكي الهاشمي وإعلان الجمهورية وكان ذلك الانقلاب دموياً فقد قتل الملك فيصل الثاني وخاله عبدالإله ورئيس الوزراء نوري السعيد .. وقبل الانقلاب قام اتحاد بين المملكتين الهاشميتين العراقية والأردنية ويقولون إن ذلك الاتحاد كان رداً على الوحدة التي تحققت في فبراير عام 58 بين مصر وسوريا. والمهم أنه بانقلاب يوليو 1958م سقط تلقائياً الاتحاد الملكي العراقي الأردني .. لقد نُفذ انقلاب يوليو 85 في عز الحرب الباردة التي كان طرفاها الأساسيان هما الاتحاد السوفيتي والولاياتالمتحدةالأمريكية .. وكانت حينها تجري في الاتحاد السوفيتي محاولات متعثرة لتجميل الاشتراكية بعد أن طغت عليها الفظاعة والقهر في عهد ستالين.. لكن الزعيم خروتشوف لم يستطع الذهاب بعيداً في هذا المجال. وكان الجمهوريون في ذلك الوقت من يوليو 58 يحكمون الولاياتالمتحدة وكان الرئيس الأمريكي دوايت آيزنهاور محبوباً داخل بلده وكان يحظى باحترام الجميع وهو في الأصل محارب أو مقاتل كبير كانت له صولات وجولات خلال الحرب العالمية الثانية التي انتهت عام 1945م. وفي يوليو 1958 عندما نفذ الضابطان العراقيان قاسم وعارف انقلابهما الدموي الشهير كان السودان يعيش في ظل نظام ديمقراطي طائفي وكان رئيس الحكومة هو العميد (م) عبدالله خليل وكانت حكومته مؤلفة من حزبي الأمة والشعب الديمقراطي، وكان الحزب الوطني الاتحادي يقود المعارضة ولم يكن هناك استقرار حكومي، وكان مبعث عدم الاستقرار التشاكس والتنافر بين الحزبين المؤتلفين. وكان هناك إشفاق حقيقي على التجربة الديمقراطية التي سقطت بالفعل بانقلاب عسكري في نوفمبر 58 قاده الفريق عبود. لكن الانقلاب السوداني لم ترق فيه نقطة دم واحدة، وفي ما بعد عندما تظاهر المواطنون رفضاً للنظام في اكتوبر 64 فإن الرئيس عبود تنحى عن الحكم بكل التحضر .. وبكل الذوق وكان بذلك يعبر عن احترامه لنفسه ولشعبه العظيم.