يصادف يوم غد الخميس، الموافق 17 نوفمبر، الذكرى الثالثة والخمسين لانقلاب 17 نوفمبر 1958م الذي تصدره الفريق إبراهيم عبود ومثل كل الانقلابات التى سبقته فقد أطلق عليه منفذوه اسم الثورة ولكن بعد الإطاحة به فى أكتوبر 64 عاد الناس يطلقون عليه اسمه الأصلي أي انقلاب 17 نوفمبر وقبل 17 نوفمبر 58 كانت الحكومة مؤلفة من الحزبين المعبرين عن طائفتي الأنصار والختمية، أي حزبي الأمة والشعب الديمقراطي، وكان يرعى الأول السيد عبدالرحمن المهدي والثاني السيد علي الميرغني ولذلك كانت تلك الحكومة تسمى حكومة السيدين وكان يرأسها الأمين العام لحزب الأمة العميد (م) عبدالله خليل. وعندما تولى الفريق عبود وزملاؤه الحكم فى 17 نوفمبر 1958م كان يملأ الساحة ويشغل الناس في العالم العربي رئيس مصر الشاب جمال عبدالناصر لقد كان عمره أربعين سنة لكنه بإنجازاته ومواقفه كان أصبح زعيماً مرموقاً وكان كل شعب فى العالم العربي وأفريقيا يتطلع إلى أن يحظى في بلده بزعيم من فئة عبدالناصر. وفي ذلك الوقت من عام 1958 كان الاستعمار لا يزال مهيمناً على كثير من دول القارة الأفريقية وعلى بعض أنحاء العالم العربي ومنها جنوب شبه الجزيرة العربية والجزائر ولكن رياح التغيير كانت قد بدأت تهب، ففي غضون بضع سنوات استقلت بقية دول القارة الأفريقية والعالم العربي وكانت الحرب الباردة إحدى الحقائق الكبرى في ذلك الوقت من عام 58 فقد كان العالم منقسماً إلى معسكرين رئيسيين متضادين هما المعسكر الرأسمالي الذي تقوده الولاياتالمتحدةالأمريكية والمعسكر الشيوعي وكان يتزعمه الاتحاد السوفيتي وكان يرأس الولاياتالمتحدة الجنرال آيزنهاور أحد القادة العسكريين الكبار وأحد أبطال الحرب العالمية الثانية التى انتهت عام 1945م وكان يقود الإتحاد السوفيتي الأمين العام للحزب الشيوعى نيكيتا خروتشوف . وعندما وصل الفريق عبود إلى الحكم في 17 نوفمبر 58 كانت الحياة في السودان سهلة وصعبة فقد كان الحصول على الطعام مثلاً لا يشكل هماً يتجدد في كل صباح كما هو حادث اليوم وكان العلاج مجاناً والتعليم أيضاً لكن السفر مثلاً من مدينة إلى أخرى كان صعباً ويستغرق زمناً طويلاً، إذ كانت كل الطرق التي تربط مدن القطر ترابية وصحيح أن السكة الحديد كانت فى مجدها لكنها كانت بطيئة، فالرحلة من الخرطوم إلى الأبيض كانت تستغرق يوماً كاملاً وأكثر من ذلك في الخريف. ولم يكن المواطنون في السودان الشمالى خاصة قد شرعوا في حمل السلاح لتحقيق مطالبهم بالقوة وكان حمله قاصراً على الجيش والشرطة التي كانت لا تزال تحمل الاسم الإنجليزي، أي البوليس وقد تم تعريب الاسم والرتب العسكرية في بداية العهد المايوي الذي بدأ عام 69م وانتهى في أبريل 1985م ولكن كانت هناك مشكلة حقيقية موجودة في الجنوب الذي انفصل في ما بعد وأصبح دولة مستقلة وكان لافتاً فى الساعات الأولى من يوم 17 نوفمبر 1958م بعد أن أذاع الفريق عبود بيانه الأول أن الذين سارعوا إلى تأييده كانوا هم أقوى وأهم زعماء النظام القديم، وإن لم يكونوا أعضاء فى الحكومة، وهما السيدان عبدالرحمن المهدى وعلي الميرغني ثم سرعان ما عرف السبب وزال بالتالي العجب، وتلك حكاية أخرى.