طالعنا في الأيام الفائتة عبر بعض الصحف خبراً مفاده رفض الآباء والأمهات لقرارات السيد كرم الله عباس الشيخ والي ولاية القضارف بضبط الشارع العام، التي تم بموجبها القبض على عدد من البنات وإيداعهن شرطة النظام العام في واقعة وجدت الاستهجان والرفض من مجتمع القضارف المعروف عنه المحافظة والحرص على العادات والتقاليد السودانية. استغرب الجميع أمر هذا الوالي الذي يبدو أنه يريد أن يكون في دائرة الضوء ومثار حديث الناس في كل مكان وزمان، فبعد أن استبشرنا خيراً بقدومه باعتباره من أهل الولاية والتفاف الناس حوله مادين إليه يد العون والتعاون؛ قذف ببناتهم في النظام العام معللاً بأنه يطبق الشريعة الإسلامية ويضبط الشارع العام. ألم يكن الأجدر بالسيد كرم الله أن يحاول معالجة الإعسار في القضارف الذي قضى على أسر كثيرة في الولاية، والبحث عن حلول لمشاكل العطالة التي جلبت لنا مشاكل عدة من مخدرات وهيروين وشذوذ وغيرها، وشوارع القضارف المليئة بالعطالى خير دليل على ما أكتب، شباب يبحثون عن طريق للمستقبل ولا يجدون، وآخرون يسعون ويتمسكون بالأعمال الهامشية رغم شهاداتهم الجامعية، والسيد الوالي مشغول بضبط الشارع العام والقبض على البنات. القضارف تشكو العطش والمياه الملوثة التي لم يستطع كل الولاة الذين تعاقبوا عليها أن يجدوا حلولاً لها، وابن القضارف لا يفكر فيها، فالصهاريج والموتورات في كل مكان من بيته، فلماذا يشغل نفسه بمحمد أحمد أو عيسى في ديم بكر أو روينا؟ مزارعون عطالى لم يستطيعوا أن يفلحوا أرض القضارف الخصبة بسبب اليد القصيرة والظروف الضاغطة التي ألقت بآثارها السلبية على عدد كبير من التجار، فصاروا لا حول لهم ولا قوة، والوالي منصرف عنهم فهو يمتلك عدداً مقدراً من الأفدنة، وعماله يعملون ليلاً ونهاراً، فلماذا يبحث عن حل لهؤلاء؟ ارتفاع كبير في أسعار السلع بالولاية ومجاري الصرف مغلقة تماماً والخريف يحكي قصصاً وروايات، والوالي لا يحس بأحد فعرباته الفارهة تجول في البحر نفسه دعك من الشوارع التي تمتلئ بالطين. ضرائب ورسوم مفروضة على تجار السوق الذين هللوا وكبروا للوالي الجديد ظناً منهم أن الأمر سينتهي بالرجل الذي كان يجلس معهم بالساعات ويدري بالحال حتى يستطيعوا أن يعيدوا توازنهم ليفاجأوا برجل مشغول عنهم بإدارة معارك في كل الاتجاهات. مشاكل بالجملة يأبى القلم أن يخطها كاملة من فقر وجوع وعطش ومرض ومشاكل تعليم وتدن في المستوى وإحباط عام في شوارع الولاية وقتل للروح المتفائلة ليظل الوضع هو البحث عن لقمة ومرض وموت أرحم ألف مرة من حياة كالموت، ووالينا يضبط الشارع العام ويلقي بالبنات في الحراسات. هل تعتقد أن تشويه سمعة الأسر أمر سيتقبله منك أهل القضارف؟ هل فكرت يوماً في مردود هذه الخطوة قبل أن تأمر بتنفيذها؟ هل شاورت مستشاري الولاية في كيفية إيجاد حلول لكل المشاكل التي تواجه القضارف وكونت لجاناً للمتابعة والمراقبة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ ماذا فعلت يا سيادة الوالي منذ تسلمك مقاليد الحكم في القضارف؟ ألم تسأل نفسك لماذا أنت من دون الولاة الموجودين في كل الولايات مثار جدل، وحديث الصحف والناس؟ وليس ذلك بإنجازاتك، بل هو بتصرفات مرفوضة وصراعات غير مبررة. هل تعتقد أنك الحاكم الأمثل وأن ما تفعله الآن سيتقبله الناس مستقبلاً؟ سيدي والي ولاية القضارف، نحن نثق جداً في الجماهير التي قالت لك نعم، واختارتك والياً عليها، ونثق أكثر في الحزب الذي تنتمي إليه، ودفع بك حاكماً، وأملنا كبير في أن تنشغل بحل مشاكل الناس ومعالجتها والتفكير في النهوض بالولاية بدلاً مما تفعل. انظر إلى الولايات المجاورة لك، وستجد أن الفرق كبير، هل زرت بورتسودان قريباً؟ هل شاهدت التنمية الكبيرة فيها؟ ألم تسأل نفسك لماذا يصفق الناس لوالي البحر الأحمر الهمام «إيلا» الذي يعمل بصمت ويجد الإشادة من أهل ولايته ومن الإعلام والدولة معاً؟ ألم تحس بأن هناك فرقاً كبيراً بين ولايتك والولايات الأخرى؟ ألم تكن رجلاً طموحاً تسعى للتغيير والتعمير الذي سيحسب لك؟ ألم تحلم يوماً بأن تكون القضارف في عهدك مثل العاصمة وأفضل منها؟ لماذا لا تسعى لجعل القضارف نموذجاً لكل أهل السودان؟ شاور وافتح أبواب الديمقراطية واجعل الشفافية شعارك، وأن لا مكان للكذب والمراوغة والتطبيل في ولايتك، حينها سيصفق لك الناس ويدعون الله أن ينصرك على أعدائك. بعد أسبوعين بالتمام سأكون في ولاية القضارف، آمل أن أجد الحال غير الحال، وحينها سأقول لك «برافو السيد الوالي» ولك العتبي حتى ترضى، وسنظل سنداً لك حتى نشهد ولاية مختلفة، أما إذا واصلت في ما تفعل؛ فلأهل القضارف رأي آخر.