عجيب أمر (ولاتنا) الذين يحكمون باسمنا ولا يراعون ذلك في احاديثهم وتصريحاتهم، وكأن هذا الشعب الذي دفع بهم الى سدة الحكم لا يفهم شيئا، فهذا (العجب) ينطبق على الذين جاؤوا بالانتخاب ومن قبلهم الذين جاؤوا بالتعيين، فإذا أخذنا (المتعافي) الذي جاء والياً للخرطوم بعد ان كان وزيرا للصناعة الذي كما قال انه لم يتوقع ان يرجع للحكم الاتحادي عبر منصب (الوالي) بعد شغل عدة وظائف في ولايات منها البحر الاحمر وجنوب دارفور والنيل الأبيض، هذا الوالي جمع رهطا من الصحافيين وأهل الاعلام، وقال في ليلة من ليالي شهر زاد انه «سيجعل الفراخ أكل الفقراء) في ولايته وبالتأكيد ان المتعافي (عافاه الله وشفاه) لم يكن يقول حديثه هذا دون دراسة او تخطيط كما هو متوقع، وهذا بالتأكيد ما تبادر لجموع أهل الاعلام او ان المتعافي يملك (خاتم سليمان) أو (مصباح علاء الدين) ليتنزل له ما يطلب خدمة لفقراء ولاية الخرطوم، وقد أحسن الظن بهم السيد المتعافي وعلم أن (أكل الفراخ) غاية أمانيهم. ووضح ان المتعافي لا يملك خططاً ولا دراسة تجعل من (الفراخ) أكلاً للفقراء. ووضح جداً ان (المتعافي) لا يملك (خاتم سليمان) ولا مصباح (علاء الدين السحري) أو بالتأكيد هو ليس اشعث أغبر لو اقسم على الله لأبره، لأنه كان من اسرة عادية من النيل الابيض تنحدر أصولها من المتمة من ولاية نهر النيل كما تفيد بعض المعلومات، وصاهر أسرة كان والدها من المؤسسين والمساهمين في نشأة الاقتصاد السوداني من خلال عمله في وزارة المالية أو بنك السودان المركزي، مستفيداً منها في العمل الحر بعد ان ترك تخصصه في دراسة (الطب) التي اضاع فيها ست سنوات من عمره المحدود، حيث عرف انه دخل مجال الاعمال من باب (الاقتصاد) وليس من باب (الطب) وقد تكون هذه أخرجته من دائرة (ربما أشعث أغبر)، وبالتالي فإن اقسم على الله ربما يستجيب أم لا يستجيب لأن ذلك تقدير العزيز العليم. وبالتالي فإن كلام (المتعافي) في أن يجعل من الفراخ طعاماً لفقراء ولاية الخرطوم لم يتحقق الى أن غادرها وخلفه فيها طبيب بيطري أقرب من الفراخ والبيض والمواشي من المتعافي، وهو عبد الرحمن الخضر، كان أولى أن يجد معالجات لارتفاع أسعار هذه السلع وهو المتخصص في هذا المجال أكثر من المتعافي. وغير بعيد من الخرطوم دخلت حكومة ولاية القضارف في معركة غير متكافئة مع اصحاب الزرائب ولم تسلم تلك المعركة من بعض الخسائر وتناولتها أجهزة الاعلام وزعمت الحكومة أن الموضوع ضخمته المعارضة بهذا الشكل، والناس يتحدثون عن القضارف لتتولى زمام المبادرة في الانتاج الزراعي والحيواني وتسد كثيرا من النقص الذي تعاني منه الاسواق لكن يبدو ان حكومة (كرم الله) مشغولة بأشياء ثانية مثل تلك الازمات التي اثارتها، بعضها يدخل ضمن برنامج (النظام العام) وبعضها محاربة بعض الاخلاقيات التي اتصف بها قوم أحد الانبياء، الامر الذي جعل حكومة الخرطوم تنظر الى ما بعد (القضارف) لتستورد أبقارا حبشية «واللول لولية بسحروك يا لولا الحبشية) ولا ندري ما سر هؤلاء (الأحباش) هم يغزون مدن السودان الشرقية والوسطى، وهم يمسكون برؤوس الشعب السوداني في (صوالين الحلاقة) وهم الآن مسؤولون عن حماية الشعب السوداني في (أبيي) وتدير كثير من بناتهم شؤون الأسر السودانية في المنازل، وها هي حكومة ولاية الخرطوم تتجه لاستيراد أبقار حبشية لسد رمق الشعب السوداني من اللحمة، بعد ان فشل علماء أهل السودان في هذا الجانب من حل مشكلة اللحوم والحد من ارتفاع السلع بشكل عام، لتكون واحدة من الحلول العبقرية التي دفع بها والي الخرطوم الدكتور عبد الرحمن الخضر «الما قادر على المعيشة في الخرطوم ما يقعد فيها» والسيد الوالي في غمرة (سكرة السلطة) لم يدر ان هؤلاء الناس الذين يكابدون شظف العيش بسبب سياسات الحكومة هم الذين انتخبوه لهذا المنصب وبسبب هؤلاء الفقراء يمتطي الوالي سيارات يتجاوز سعرها ربع مليار جنيه للواحدة، وبسبب هؤلاء الفقراء يجلس الوالي في مكتب طول وعرض ومدعوم بكبار المساعدين والمستشارين والوزراء، كل هذا من أجل ان يساعد الناس ويقدم الحلول ويقف على مشاكل البسطاء من الناس ويتعرف على مواطن الخلل والتقصير ويعالج السلبيات. ان الوالي الذي عرف عنه الحكمة والرشد والتواضع واضح جداً ان (سكرة السلطة) قد أصابته وتمكنت منه لدرجة ان أراد ان ينفي سكان ولاية الخرطوم من موطنهم، وقد لا تنفع تلك التبريرات التي ذكرت فيما بعد بأن الوالي كان قصده ان تكلفة المعيشة في المدن دائماً أغلى من الأرياف، وان تكلفة المعيشة في عاصمة الدولة بالتأكيد ستكون أغلى من بقية المدن فيها، ولا يستطيع هذا (التفسير) لكلام الوالي ان يمحو ذلك الأثر الذي تركه في نفوس أهل الولاية الذين تدافعوا من أجل ان يفوز الخضر في ظل منافسة قوية قدمت الحركة الشعبية ادوارد لينو لمنافسته وقدم المؤتمر الشعبي المهندس آدم الطاهر حمدون، ولكن هؤلاء الفقراء والطبقة المتوسطة من العاملين والموظفين والشباب والطلاب هم من حمل الدكتور عبد الرحمن الخضر الى (كرسي) حكم الولاية وما كان هؤلاء يتوقعون من د.الخضر (جزاء سنمار) فبعد ان حملوه الى (كرسي الحاكم) أراد ان يكافئهم بطردهم من الولاية التي جاءها الخضر من ولاية الشمالية (طالباً)، وعاملهم بعقلية شيء من تخصصه في علم (البيطرة) كأن هؤلاء السكان (قطيع) يمكن أن يطردوا الى الولايات الأخرى، وربما لا ندري ان يقول والي الجزيرة البروفسيور الزبير بشير طه ان الذي لا يفهم مبادئ (علم النفس) لا يدخله ولايته، وربما يقول الأستاذ فتحي خليل والي الشمالية ان الذي لا يعرف (القانون) لا يدخله ولايته. ان «سكرة السلطة» قد غمرت كل عقل والي الخرطوم ولم تترك فيه شيئاً حتى أنه هدد أصحاب الأراضي غير المنتجة بنزعها في نبرة لا تخلو من تأثير (سكرة السلطة)، وكان الأجدى قبل ان يطلق والي الخرطوم تهديده الى أصحاب تلك الأراضي ان يخضع الامر لعمليات احصائية لمعرفة كم مساحة هذه الاراضي غير المستغلة وما هي الاسباب والمعوقات التي حالت دون الاستفادة منها؟ وما هي امكانية معالجة بعضها لتكون في قائمة الاراضي المنتجة؟ وما هي الصعوبات الادارية والاجرائية التي تعيق انتاج هذه الاراضي؟ وما مدى مساهة ولاية الخرطوم في حل هذه المشاكل حتى يجد الحلول اللازمة للاستفادة من هذه الاراضي؟. ونفترض ان الوالي قد نزعها واعطاها لآخرين وواجهوا نفس المشاكل والمعوقات التي واجهت الذين سبقوهم، ماذا يفعل الوالي هل ينزعها مرة ثانية ليعطيها آخرين؟ الى ان تنتهي دورته في عام 2015م دون اصلاحها او استصلاحها. ان (سكرة السلطة) لا يوجد لها (حد) يمكن تطبيقه، ولكن هناك مثل يقول (السكران في ذمة الواعي)، وبما ان سكان ولاية الخرطوم الذين أراد الوالي ابعادهم منها عليهم بهذا المثل الى أن يخرج الوالي من (سكرة السلطة) ويعود سيرته الأولى من الحكمة والرشد والتواضع.