٭ تستيقظ من نومها كل صباح بسبب موجة التفكير الكثيف التي تحتدم داخل عقلها وهي نائمة، تفكيرها هو ما يوقظها ويقطع عليها نومها، تنهض جالسة على سريرها، تسترجع شريط أفكارها، هي أفكار قاسية على عقل يحتمل ما هو أكبر وأخطر مما يحتمله عقل بشر، وعلى قلب يخفق وجلاً داخل صدرها وهو يشارك العقل أفكاره القاسية، عاطفتها الجياشة هي التي تدفع بقلبها إلى هذه المشاركة التي لا يسعد بها أي قلب «ميت» ينأى بنفسه عن الهم والغم، ويدفن رأسه في رمال اللامبالاة والخطر.. طافت بنظراتها تقلب أرجاء غرفتها جنوباً وشمالاً وغرباً وشرقاً ومن تحت أرجلها، بدأت تشعر بشيء من الاطمئنان، ولكن فجأة بدأ قلبها يخفق وعرقها يتصبب ويداها ترتعشان وهي تلحظ كوماً من الصحف. هي تدرك أن ساحة الوطن وقضاياه واقع حاضر يرقد داخل غرفتها، وأن واقعاً آخر وسط هذا الكوم يرسم صورة مغايرة لواقع الوطن وقضاياه، وهي كذلك تدرك أن الآخرين خارج أسوارنا يحاكموننا بحريق هذا الكوم. ٭ تتصاعد حالتها وهي تزحف نحو الكوم، والكوم يزحف نحوها كلما اقتربت منه، يرسل إليها عناوين وكأنها صواريخ تنطلق تدك جانباً من الغرفة، تقرأ العنوان فتجزع وتحزن وتشفق وقبل كل ذلك يُفغر فوها من هول ما يكتبون.. تلتقط عنواناً فتتعثر باكية، تجهش بالبكاء والصراخ، تبكي على من كتب قبل أن تبكي على من كُتب عنه، وما كتب عنه.. تمضي نحو كوم الصحف، تتبدل أحوالها مثلما تتباين مقالات وعناوين الصحف، ثلاث ساعات قضتها وسط الكوم، وسط حريق الكوم، وسط صواريخ الكوم التي تدك جدار الغرفة الوطن بلا رحمة، تجاوزت الكوم بخطوات والتفتت فصعقت من هول المفاجأة، متسللون من كل الاتجاهات نحو كوم الحريق وكأنه كنزهم المفقود، كل واحد منهم يحمل أوراقاً وقلماً وكاميرا، يلتهمون الكوم ثم يقفلون عائدين عبر أسوارنا، ولم يبق من الكوم غير رماد. ٭ هربت صديقتي تهمس لأذنها، أين وعيهم؟ أين مهنيتهم؟ أين الوطن داخل عقولهم وقلوبهم؟ يكتب الواحد منهم في الرياضة فيهزم وطنه وينتصر لعصبيته، لا خطوط حمراء تعصم الوطن منهم، يكتب الواحد منهم في المسألة الاجتماعية فيروج للجريمة وتغيب عنه مهنيته التي إن أحسنها حصن قارئيه من ويلاتها، جلهم يسيئون من حيث أرادوا الإصلاح، وفي السياسة يصوبون سهامهم لتنال من وطنهم فيتهمونه ويبرئه الآخرون، لا يفرقون بين النظام والوطن، لا يدركون مصالح البلاد العليا، ينحرون التربية الوطنية عندما يكتب العائد منهم من جوهانسبيرج «عدنا إلى السخانة والكتاحة». ٭ هي مسألة وعي ربما كانت السبب في عودة الرقابة على الصحف كل حين، عجز بعض أهل الصحافة أن يدركوها فأعادوها على أنفسهم وعلى الذين يدركونها، حالهم مثل حال غانا عندما كتبت الصحافة العالمية أن «غانا خرجت بأقدام لاعبيها»، أما الرقابة فقد عادت بأقلام صحفييها.