تنتظر ولاية جنوب كردفان، التي تشكل سوداناً مصغراً بتنوعها العرقي والثقافي والديني، استحقاق المشورة الشعبية الذي سيترتب عليه مستقبلها، في الوقت الذي تعاني فيه حزمة من المشكلات، أبرزها التخلف التنموي الذي يتجلى في افتقارها - جنوب كردفان – إلى المشروعات التنموية بسبب الإهمال الذي عانته طوال عقود، وتداعيات حرب العشرين عاماً، وكثافة الفاقد التربوي الناجم عن سنوات الحرب الطويلة، ومترتبات ما بعد السلام. وكان مواطنو الولاية يأملون في تجاوز مشكلات الخدمات والتنمية بعيد توقيع اتفاق السلام وتشكيل حكومة الولاية من شريكي الاتفاق: المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، غير أن الحكومات التي تلت توقيع اتفاق السلام: (خميس جلاب – عمر سليمان، عيسى بشرى - دانيال كودي) لم تحقق تطلعات أهل المنطقة في الخدمات والتنمية، بسبب انتقال عدوى تشاكس الشريكين من المركز إلى الولاية، غير أن الحال تغير نسبياً مع حكومة (أحمد هارون – عبد العزيز الحلو) اللذين تعود علاقتهما (الشخصية) إلى ديسمبر من العام 2001م عندما كانا طرفين في مفاوضات سلام جبال النوبة بسويسرا، ومنذ ذلك التاريخ يرتبط الرجلان بعلاقات مميزة تنم عن توافق، وتتأسس على ثقة متبادلة، مما نتج عنه استقرار سياسي وأمني شهدته جنوب كردفان ودفع حكومتها إلى إنجاز العديد من مشروعات التنمية، أبرزها شبكة الطرق الواسعة التي ربطت أطراف الولاية بعضها ببعض، وأسهمت في ربطها بأجزاء الوطن الأخرى، مما يمهد لتحوُّل جنوب كردفان إلى نموذج للتوافق السياسي والاجتماعي والأمني، ويجعل من إنجازات حكومتها دافعاً للوحدة الوطنية باعتبار أن الولاية تمثل نموذجاً مصغراً للسودان بتنوعها الإثني والديني والثقافي والمناخي. إستراتيجية المنفعة المشتركة والي جنوب كردفان أحمد هارون قال ل(الأهرام اليوم): «في إطار إستراتيجية «المنفعة المشتركة» قمنا ببناء أكبر شبكة طرق لولاية واحدة في السودان، حيث بلغ طول الطرق التي تم شقها خلال فترة تولينا الحكم في الولاية - يعني (هارون – الحلو) - نحو (970) كيلو، من بينها الطريق الدائري الذي يربط الجبال الشرقية بمختلف أرجاء البلاد، وقطاع «الدبيبات – المجلد» وهو جزء من طريق الإنقاذ الغربي». في حين يرى نائب الوالي «حركة شعبية» عبد العزيز الحلو أن خصوصية الولاية تتطلب توافقاً سياسياً عاجلاً لأن الاستقرار في هذه الولاية لا يتم إلا وفق التراضي والتوافق الذي يمهد بدوره الطريق لاستقرار البلاد كلها، ويقول الحلو: «إن على مواطني الولاية العمل على توظيف خبراتهم للانطلاق نحو المستقبل من خلال التخطيط والعمل من أجل تعميم الاستقرار وتحييد السلاح وترسيخ المصالحات الاجتماعية». وحول التوافق الشخصي الذي وسم علاقة (الحلو – هارون) يقول نائب الوالي: «إن النجاح الذي نجم عن توافقنا يعود إلى تفهمنا لمتطلبات الاتفاقية ومعرفتنا بالولاية وبمجتمعاتها وثقافاتها وحاجاتها الضرورية». من جهته يقول هارون الذي كان يتحدث للصحيفة في مدينة الدبيبات: «تستهدف إستراتيجية (المنفعة المشتركة) محاربة الفقر على المديين المتوسط والطويل، وذلك من خلال بناء مراكز حضرية في المحليات تتمثل في أسواق متعددة، مستشفيات أو مراكز صحية متكاملة، شبكات مياه وخطوط كهرباء، هذه الإستراتيجية تحقق التنمية والاستقرار لكنها قبل كل شيء تحقق السلام الاجتماعي والأمن أيضاً»، ويضيف هارون: «لأول مرة منذ عشرات السنين يرى المواطن في الولاية عملاً ملموساً تمثَّل في العديد من المشروعات التنموية بسبب التوافق الذي تم بين شريكي الحكم في الولاية، والدعم الذي جاءنا من المركز ارتكز أساساً على التوافق السياسي بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وهو يمثل كلمة السر لتحقيق استقرار الولاية ونيل دعم المركز لإطلاق مشروعات التنمية وتدفق الاستثمار». مليار دولار للتنمية وفي ما يتصل بتمويل مشروعات التنمية يكشف هارون ل(الأهرام اليوم) أن: «جنوب كردفان حصلت على مليار دولار - ما يمثل ثلث القرض الصيني المخصص للتنمية والبالغ (3) مليارات دولار «، ويزيد هارون: «قمنا بتوظيف هذه الأموال في ما يحتاجه الناس في الولاية، لا سيما وأن الولاية خرجت من حرب طويلة وتعاني نقصاً كبيراً في الخدمات»، بينما يوضح أنه حظي بقدر من الاستقلال السياسي، إذ يقول: «فور تعييني والياً لجنوب كردفان، وجدت دعماً لهذا الاستقلال من قبل رئيس الجمهورية المشير عمر البشير ونائبه علي عثمان محمد طه، والاستقلال النسبي الذي طالبت به يندرج في إطار خصوصية الولاية التي عانت انقسامات تجاوزت المشهد السياسي إلى ما هو أعمق وطالت المكون الإثني للولاية خصوصاً في سنوات الحرب، وعليه كنت أرى أن الولاية لا تحتمل المزيد من الانشقاقات، إضافة إلى أن متطلبات العمل السياسي الحاذق تقتضي التخطيط لتجاوز المكونات البدائية إلى تشكيلات تنهض على أسس البرامج والأفكار، وأعتقد أن هذا الاستقلال النسبي أسهم بقدر كبير في الاستقرار الذي تشهده الولاية حالياً». وعن التوافق اللافت الذي عرفته حكومة الولاية بين الشريكين يقول هارون: «الشراكة عملية ضرورية لإنفاذ الاتفاقية، وما وجدناه من تفويض على مستوى رئاستيْ الحزبين بضرورة مراعاة الخصوصية للولاية ورعايتهم لنا في الولاية والإسناد الكبير وتجاوب المواطنين - ساعد في دفع السلام في الولاية». وعن عمليات التسريح وإعادة التأهيل وإعادة الدمج (DDR) يقول والي جنوب كردفان: “عمليات إعادة التأهيل في إطار برنامج (DDR) يتم تنفيذها في مناطق قريبة من المناطق التي تم فيها التسريح، وأهم مبدأ هو موافقة الأطراف المتنازعة على التسريح الذي تم بشكل واسع في الولاية. ما يثار عن مشكلات صاحبت عمليات (DDR) لا أساس لها من الصحة”. السيسبان.. (11) مليار متر المياه وكانت (الأهرام اليوم) شهدت افتتاح سد (السيسبان) الذي أقيم على خور (أبوحبل)، بمحلية القوز. وقال معتمد المحلية عبد الرحمن الشريف ل(الأهرام اليوم): “تنفيذ المرحلة الأخيرة من السد تمت في زمن ضيق، في إطار برنامج إسعافي، وسيوفر السد نحو (11) مليون متر مكعب من المياه يمكن تخزينها وهي مياه صالحة لكل الاستخدامات: الزراعية والشرب، ولا تحتاج إلى تنقية أو كلور، وتبلغ الكلفة الكلية للمشروع (ملياراً و800 مليون جنيه) الأمر الذي سيحقق قدراً كبيراً من الاستقرار والتنمية وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين بمنطقة السد، فضلاً عن توفير كميات كبيرة من المياه لمختلف الاستخدمات، وتحقيق الأمن الغذائي، وإنعاش الاقتصاد واستباب الأمن وتعزيز التعايش”. وأضاف الشريف: “من أجل توفير موارد إضافية وإيقاف هدر الموارد في المحلية لدينا سوق الحاجز الذي يعد أحد أكبر أسواق تجارة الإبل في السودان، وهو يفتقر للتنظيم والتسوير، وقد بدأنا مشروع تسوير السوق مع وزارة الثروة الحيوانية، باعتبار أن هذا السوق مركز من مراكز تجارة الجمال الكبرى في السودان، ولأنه سوق مفتوح يصعب التحكم فيه، فتسويره سيوفر إيرادات إضافية تتراوح بين (30 40%)، ونعمل إضافة إلى ذلك من أجل تشييد محجر بيطري بمواصفات عالمية، ولدينا (3) محالج تلبي حالياً متطلبات الزراعة المطرية التي نعمل على تطويرها لنستفيد فائدة قصوى من سد (السيسبان) لزيادة دخل المواطن من خلال زراعة الخضر في فصل الصيف، التي يمكن أن تحقق دخلاً ممتازاً وترفع مستوى دخل الفرد في محلية القوز، كما أننا نعمل على تطوير الثروة الحيوانية لأن تربية الماشية تتم عندنا عادة بصورة تقليدية قديمة، ونحن نتجه إلى تحسين إنتاج الثروة الحيوانية، خصوصاً وأن المحلية امتداد للسافنا الفقيرة المعروفة بتربية الضأن، ولدينا غابة تقدر مساحتها بأكثر من (10) آلاف متر مكعب محجوزة بالهشاب وهي من الممكن أن تكون مرتعاً خصيباً لتربية الضأن في المحلية”. واضاف معتمد القوز: “لدينا خطط طموحة لمعالجة مشكلات التعليم وتحسين البيئة المدرسية، ونعمل مع رئاسة الولاية على سد النقص في المعلمين وصيانة المدارس، حيث وفرت لنا نحو (180) مليون جنيه لصيانة المدارس المتهالكة، وإكمال بنيات المدارس التي لم يكتمل تشييدها، وفي مجال المياه اكتملت الدراسات لمحطة مياه الدبيبات التي نتوقع أن يبدأ العمل فيها خلال الأشهر القليلة المقبلة، أما الكهرباء فستكتمل خطوات إنارة الدبيبات خلال الأسبوع الثالث من أغسطس المقبل”.