{ في عصر 22 يوليو 1971م عاد جعفر نميري الى الحكم، وعاد كما هو واضح نهاراً جهاراً. وكان الرائد هاشم العطا استولى على السلطة قبل ذلك التاريخ ب(72) ساعة نهاراً جهاراً!! { وكان نميري في ذلك الوقت يحمل رتبة اللواء أركانحرب، ورغم أنه أصلاً ضابط متميز إلا أنه وصل الى تلك الرتبة بقرار اتخذه مجلس قيادة الثورة يوم 25 مايو 1969م وكان يرأس ذلك المجلس العقيد نميري. { ومثل هذه الترقيات الاستثنائية السياسية العسكرية حدثت قبل مايو 69 وبعده في كل أو معظم الانقلابات العسكرية التي حدثت في هذه المنطقة من العالم، وخارج السودان هناك من قفزوا بعد الانقلاب العسكري من رتبة الرائد الى رتبة اللواء، ومن رتبة الجاويش حتى الى رتبة الفريق. { لقد كان جعفر نميري في مايو 69 عقيداً، ثم بقرار اتخذه مجلس الثورة، الذي هو رئيسه، أصبح لواءً. وكان التجاوز بمستوى رتبة واحدة، وهذا يعني أنه كان في ذلك الوقت من مايو 69 في السودان انضباط عسكري معقول، ورغم ذلك فإن ترقية العقيد نميري في 25 مايو 69 الى رتبة اللواء أثارت امتعاضاً في الوسط العسكري. نعم في ذلك الوقت من مايو 69 كانت العسكرية السودانية لاتزال صارمة ومنضبطة ومثلها كانت الخدمة المدنية. { ولكن ليس معنى ذلك أن الأحوال كانت على مايرام وإلا لما تجرأ عقيد ورواد على الإطاحة بنظام كان يجلس على قمته آباء الاستقلال من أمثال الزعيم إسماعيل الأزهري والشيخ علي عبد الرحمن والأستاذ محمد أحمد محجوب ويحيى الفضلي، ...إلخ. { وقد هتف الشعب في مايو 69 لقادته الشبان الجدد، وبعد سنتين وشهرين نفذ الشيوعيون انقلابهم العسكري الذي قاده الرائد هاشم العطا، وبعد ثلاثة أيام عاد نميري الى الحكم. { وكانت تلك العودة الأسطورية تجسيداً لإرادة غالبية المواطنين، ولقد كان الفرح بالعودة في تلك الأيام عارماً، وكان معهم حق؛ فقد كانت تلك هي المرة الأولى التي يُرغم فيها الشيوعيون، بعد أن وصلوا الى الحكم بالقوة، على التخلي عنه، وحدث ذلك في وقت كانت فيه الشيوعية الدولية، وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي، هي القوة العظمى الثانية في العالم. { إن ما فعلناه نحن الشعب ونحن الجنود والضباط ونحن ضباط الصف عصر 22 يوليو 1971م لم يحدث قبل ذلك التاريخ، وكانت هناك أدوار متميزة لا شبيه لها في كل الانقلابات التي حدثت واضطلع بها بعض العسكريين في مقدمتهم اللواء نميري وبعض المدنيين وتحديداً الوزير محمد إدريس محمود.