ما زال البعض يصرون على أن النظام المايوي بدأ عام 1969م شيوعياً وأن الانقلاب العسكري الذي أفضى إلى ذلك النظام خطط له ونفذه الشيوعيون.. يصرون على ذلك رغم مضي 41 عاماً على قيام ذلك الإنقلاب و(25) عاماً على زوال النظام الذي تمخض عنه. وهم لا يفعلون ذلك جهلاً لكنهم يفعلونه عمداً ولقد نعود للأسباب التي جعلتهم يكذبون بهذا الإصرار أو يصرون على الكذب إلى هذه الدرجة. وحينما سقط النظام المايوي في 6أبريل 1985م وشرع الانتفاضيون في محاكمة مدبري إنقلاب مايو 69 فإنه لم يكن ضمن أولئك المدربين شيوعي واحد وكان ذلك دليلاً آخر في منتهى السطوع على أن الشيوعين لم يدبروا إنقلاب مايو 69. فقد حوكم اللواء خالد حسن عباس والرواد ابوالقاسم محمد ابراهيم والرائد زين العابدين محمد أحمد عبدالقادر ومأمون عوض أبوزيد ولم يحاكم المشير جعفر محمد نميري الذي كان عقيداً عندما قاد الإنقلاب في مايو 69 لأنه كان عند المحاكمة مقيماً في مصر ولم يكونوا شيوعيين لكن الشيوعيين أيدوا الإنقلاب .. المنشقين منهم وغير المنشقين الذين كان يقودهم سكرتير الحزب عبدالخالق محجوب .. وكان تأييد المنشقين صادقاً وكان تأييد غير المنشقين تكتيكيا وفي ما بعد استحال إلى خصام ومناورات ومؤامرات بلغت ذروتها في 19يوليو 1971 بالانقلاب الذي قاده الرائد هاشم العطا. والذين يكتبون ويقولون بما يشبه الإعجاب إن الشيوعيين نفذوا إنقلابهم العسكري نهاراً جهاراً وذلك صحيح يتعامون عن حقيقة مماثلة وهي أن الرئيس نميري وأعوانه نفذوا إنقلابهم بعد 72 ساعة من ذلك التاريخ نهاراً جهاراً .. وثم فرق كبير بين الإنقلابين هو أن الثاني سبقه وصحبه إعصار شعبي جارف كان تعبيراً عن إرادة الشعب وتصميمه على استمرار الرئيس نميري في الحكم وكان تعبيراً أيضاً عن رفض السودانيين أن يحكمهم الحزب الشيوعي. ولقد قبل بهم الشعب من قبلُ وزراء في حكومة أكتوبر الإنتقالية الأولى التي رأسها الأستاذ المرحوم سر الختم الخليفة وقبل بهم مرة ثانية وزراء في حكومة مايو الأولى التي رأسها القاضي بابكر عوض الله .. ولكن أن يقبل بهم حزباً وحيداً حاكماً للسودان فقد كان ذلك هو المستحيل .. ولما تحقق المستحيل في 19يوليو 1971م فإنه لم يستمر أكثر من 72ساعة. وقبل ذلك في عام 69 عندما قال رئيس الوزراء عوض الله في المانياالشرقية ما معناه إن ثورة مايو لن تستمر من غير الشيوعيين رد عليه جعفر نميري رئيس مجلس الثورة ببيان قال فيه إن ذلك هو رأي رئيس الوزراء الشخصي وإن ثورة مايو هي ثورة كل السودانيين وسوف تستمر بهم جميعاً وأقاله من رئاسة الوزراء وتولاها بنفسه. إن الذكاء وبعد النظر والبراغماتية هي ما دفع مدبري إنقلاب مايو 69 .. نميري وخالد ومأمون وابوالقاسم وزين العابدين إلى إشراك الشيوعيين في مجلس الثورة والوزراء ومن الجائز أنه كان لبابكر عوض الله تأثير ودور في ذلك رغم أنه هو أيضاً لم يكن شيوعياً.