وواضح أن هذا العنوان مقتبس من آخر أكثر شهرة هو أم المعارك. الاسم الذي أطلقه الإعلام العراقي في زمن الرئيس صدام حسين على حرب عبثية لم يكن هناك ما يبررها دارت بين العراق وأحد جيرانه وكلّفت الطرفين الكثير من المال والعتاد والأنفس. وكان من رأينا أن اليوم (22 يوليو) الذي يوافق الذكرى الأربعين لهزيمة الانقلاب الشيوعي الذي قاده الرائد هاشم العطا الذي كان يسميه المايويون (يوم العودة) وكان الرئيس نميري يشير إليه في خطاباته بيوم (العودة العظيم)، هو فعلاً يوم استثنائي، لم يتكرر من قبل ولا من بعد في تاريخنا الحديث. إن يوم إعلان استقلال السودان في 19 ديسمبر 1955م من داخل البرلمان يوم عظيم، ويوم رفع العلم مطلع يناير 56 يوم خالد لكن الإنجازين، إعلان الاستقلال ورفع العلم حدثا في كل الدول التي استقلت والأيام الأخرى الشهيرة المتميزة في السودان وخارجه المرتبطة بانقلابات عسكرية ترتّب عليها كثير من التغييرات السياسية والاقتصادية والثقافية المهمة، كانت عندما ننظر إليها من زاوية معينة أياماً عادية ليست خارقة فقد قررت مجموعة من الضباط قلب نظام الحكم وقلبته بالفعل بتحركات وإجراءات معروفة مكررة تتمثل في الاستيلاء على الإذاعة والتلفزيون والقيادة العامة للجيش وما يُسمى بالمرافق الإستراتيجية وإذاعة بيان مهم يُعلن سقوط النظام وقيام آخر لمصلحة الشعب وتسبقه وتتلوه مارشات عسكرية وأغانٍ وطنية وبرقيات تؤيد الثورة وتدعو لضرب الخونة والمارقين والعملاء وفلول النظام المباد بيد من حديد. لكن 22 يوليو 1971م كان يوماً مختلفاً. وصحيح أنه كان هناك انقلاب عسكري وتم في نفس التوقيت الذي تم فيه الانقلاب العسكري الشيوعي في 19 يوليو 71، في وضح النهار، لكن انقلاب 22 يوليو لم تسبقه اجتماعات تُذكر وكل ما في الأمر أن غالبية الجيش رأت أنه لابد من التصدي للانقلاب الشيوعي وكان اللواء أركانحرب جعفر نميري معتقلاً في القصر الجمهوري، وتعرّض فيه لأبشع أنواع الضرب والإذلال، ولما انفجر الشعب العظيم بهتافاته المدوية المنادية بعودته ظهر وعصر 22 يوليو، ولما تحرك الجيش لإعادة الأمور إلى نصابها ولعلع الرصاص والدانات في شوارع الخرطوم وساد الهرج والمرج داخل القصر حرر نميري نفسه من الأسر. ونزل إلى الشارع بسفنجة وجلابية وربما حافياً وبدلاً من أن يختفي في الزحام لحين اتضاح الموقف فإنه ذهب وسط هتافات الشعب الرائع إلى سلاح المدرعات بالشجرة ثم من هناك وسط جنوده الأشاوس امتطى دبابة دخل بها مبنى الإذاعة والتلفزيون منهكاً مرهقاً أبياً شامخاً وكان الوزير محمد إدريس محمود يتحدث وقتها مبشراً بعودة نميري ثم تحدث جعفر نميري مستهلاً كلمته بعبارة شكراً شعبي. ونعم لمن يُرفع الشكر إن لم يُرفع للشعب، وسرى الإرتياح وغنى كبار المطربين لليوم الخالد، يوم العودة.. 22 يوليو 1971م.