شكلت معركة بور بقيادة الرائد كاربينو كوانين بول، ومعركتا البيبور وأيود بقيادة الرائد وليم نون بتشديد الرقابة على الوحدات الأخرى في الشمال والجنوب،وهجرات اللاجئين من الحرب إلى حدود الدول المجاورة شكلت وساعدت في تأسيس الجيش الشعبي لتحرير السودان (SPLA)والحركة الشعبية لتحرير السودان (SPLM) بالرغم من أن الحركة قد جاءت في الأصل من جنوب السودان، للحاجة والضرورة إلا أن أهدافها كانت لكل السودان. فتأسيس الجيش الشعبي لتحرير السودان جاء من أجل سودان جديد. واصبحت الأهداف للحركة الشعبية والجيش الشعبي التحول من حركة جنوبية رجعية بقيادة الثوار مهتمة فقط بالجنوب والوظائف وتنادي بالتحرر لاغراض ضعيفة إلى حركة تنادي بالتحول الاشتراكي في كل أجزاء السودان، ويجب أن نعيد القول بأن الأهداف الرئيسية من قيام الحركة الشعبية والجيش الشعبي لم تكن فصل جنوب السودان، فالجنوب جزء موحد ومرتبط بالسودان، فأفريقيا قد تفرقت بما فيه الكفاية من المستعمر والاستعمار الحديث ومن يؤيد التقسيم والفرقة في القارة هم فقط أعداء افريقيا. هكذا تأسست الحركة الشعبية وبهذا النص المقتبس من (منفيستو) الحركة الشعبية الفصل السابع من دستورها الذي تأسست على خلفيته عام 1983م والذي اكدت فيه على وحدة السودان بل رفضت أن تكون إنفصالية وهو ذات الاتجاه الذي ظل يؤكده قائدها سلفاكير الذي خلف د. جون قرنق في كرسي القيادة عقب رحيل الأول في مثل هذا اليوم قبل (5) سنوات إثر تحطم المروحية اليوغندية التي كانت تقله من مطار عنتبي إلى جنوب السودان. فسلفاكير هو القائد العسكري الذي شارك في تأسيس الحركة الشعبية بجانب الرائد كاربينو كوانين والرائد وليم نون وطوان اروك طون وجون قرنق الذي أنتخب في بيلغام في ذات العام أي عام التأسيس قائداً للحركة. برحيل القادة المؤسسين يبقى سلفاكير هو الوحيد من قادتها على قيد الحياة. عرف كير بابتعاده عن العمل السياسي طيلة فترات الحرب. د. جون قرنق عُرف ف الأوساط الاقليمية والدولية بفهمه السياسي العميق الذي مكنه من فهم تعقيدات أزمة الحكم في السودان، إلا أن الرجلين ظلا يؤكدان على وحدة السودان وفق اسس جديدة وهذا ما أكده كير إبان مراسم تشييع د. جون قرنق في عام 2005 على وحدة السودان بل ظل يؤكد ذلك في مناسبات عدة ففي 2007 وإبان إحتفال ابناء الشلك بملاعب كمبوني بالخرطوم قال سلفاكير إن الحركة الشعبية ستظل تعمل من أجل الوحدة وأنهم أول ما حاربوا الإنفصالين في عام 1983 داخل الأراضي الأثيوبية (معسكر بيلغام). أما ربيكا قرنق أرملة د. جون قرنق فهي الأخرى أكدت هذا الاتجاه الرامي لتحقيق وحدة السودان، وقالت ربيكا إبان تشييع جثمان د. قرنق مخاطبة الجماهير التي أصيبت بإحباط وفقدان الأمل (لابد من تماسك الشعب السوداني لتنفيذ اتفاقية السلام فهي الحل الوحيد في السودان ، قرنق كان رجلاً وحدوياً، فهو مازال حياً بأفكاره وأن قادة الحركة الشعبية جادون وجاهزون لمتابعة مشواره وأنا معهم)، وهو ذات الاتجاه الذي ذهب اليه الدكتور منصور خالد في وقت سابق، شغل منصور منصب المستشار السياسي لرئيس الحركة د. قرنق وهو من أبرز القادة السياسيين في السودان ملم بتعقيدات أزمة الحكم في السودان قال منصور: غياب قرنق ترك أثراً حزيناً ليس لدي أو لأسرته أو للجنوبيين فحسب، وإنما لكل السودانيين ولأفريقيا بأسرها، فهو فقد عظيم.. كان قد عقد العزم على توحيد القارة الأفريقية بعد توحيد السودان على أسس جديدة، وهو رجل صاحب نظرة ثاقبة قادت الى سلام على أساس جديد أنهى الفوارق وأزال الظلامات ووضع أساساً جديداً متبنياً لاستقرار السودان من خلال اتفاقية السلام الشامل والتي لعب جون قرنق دوراً أساسياً في تحقيقها. فيما طالب الدكتور ضيو مطوك القيادي بالحركة الشعبية شريكي نيفاشا باستدعاء ذاكرة الأحداث في مثل هذا اليوم الذي يصادف العام الخامس لرحيل د. جون قرنق، وقال مطوك وهو أكاديمي مهتم بقضايا الوحدة والانفصال ووزير سابق بمستشارية السلام وقيادي بالحركة إنه في مثل هذا اليوم على كافة الأطراف أن تتذكر أن د. جون كان وحدوياً وعليهم العمل من أجل وحدة السودان، وأردف مطوك أن الوقت قد مضى ولم يبق إلا إذا حدثت معجزة ولكن رغم ذلك أقول علينا أن نعمل من أجل انقاذ وحدة السودان وأن يعيش الشعب في أمن واستقرار فإذا حدث الإنفصال فسيكون إنفصالاً سياسياً وستظل الروابط وسيظل الانصهار الاجتماعي . وأشار مطوك الى أن الرحيل المفاجئ لقرنق ترك أثراً بليغاً في سير تنفيذ اتفاقية السلام، بل على واقع الشعب السوداني بما لديه من مقدرة وأهداف ومبادئ يعمل من أجلها وتأتي قضية وحدة السودان هي الأبرز، لذا إذا كان الرجل على قيد الحياه فما كانت هنالك مخاوف على مستقبل ووحدة ترابه. رحل قرنق في 30 يوليو عام 2005م على خلفية تحطم المروحية المملوكة لصديقه الرئيس اليوغندي يوري موسفيني التي اقلعت من مطار مدينة عنتبي اليوغندية التي وصل اليها قرنق في صباح الجمعة والتقى بها بموسفيني وممثلين وسفراء لدول غربية عقب أدائه القسم كنائب أول لرئيس الجمهورية والذي لم يمكث فيه إلا (21) يوماً ليخلف وراءه تساؤلات ظلت محيرة للعديد من المراقبين على خلفية ذلك الرحيل الغامض والذي قيل إن سوء الأحوال الجوية من أكبر مسبباته، وكشف مسؤول الأمن في مطار عنتبي بأوغندا عقب الحادث تفاصيل مثيرة عن الرحلة الأخيرة لقرنق، وقال ان قرنق حاول قبيل إقلاع الطائرة التي لقى فيها حتفه حاول إقناع قائدها بتأجيل الرحلة قائلاً: إن الوقت تأخر وإن الهبوط في منطقة نيوسايت الجبلية (بجنوب السودان) سيكون في غاية الخطورة ليلاً، لكن قائد الطائرة أكد لقرنق أن الطائرة قادرة على تخطي جميع المخاطر والصعوبات بسبب تجهيزاتها العالية، وأضاف مسؤول الأمن إن قرنق بدا غير مقتنع ولكنه دلف الى داخل الطائرة ليلقى حتفه. عُرف قرنق الذي ينحدر من منطقة (بور) بجنوب السودان وهي منطقة تقطنها قبيلة الدينكا (النيلية) والتي تحترف رعي المواشي، بنظرته الثاقبة نحو قضايا القارة والعمل على تحقيق وحدتها ووحدة السودان، ما بين تنزانيا التي وصل اليها الرجل عقب أحداث 1955م التي اندلعت في جنوب السودان وأكمل تعليمه الثانوي بها ثم إتجه الي كينيا والتي عمل بالتدريس في مدارسها الثانوية في عام 1965م مدرسة ( كانتوناقا الثانوية). التحق بحركة الأنانيا 1963 وهي حركة قادت حرب لأكثر من 17 عاماً مع حكومة الخرطوم تحت قيادة الجنرال جوزيف لاقو الذي وقع إتفاق سلام في 1972م عُرف باتفاقية أديس أبابا. ووفقا لذاك الاتفاق استوعب قرنق الذي انضم لمقاتليها في عمر لم يتجاوزر 18 عاماً برتبة (نقيب) بالقوات المسلحة السودانية. عُرفت حركة الانانيا بالنزعة الانفصالية لجنوب السودان فيما ظلت الحركة الشعبية تعمل على وحدة السودان طيلة سنوات الحرب (21) عاماً وفق رؤية قائدها الذي كان شديد التأثير بدعوة رئيس غانا الأول نكروما للجامعة الأفريقية والذي من بعده ماتت الفكرة. وقع قرنق اتفاق سلام في عام 2005 مع حكومة السودان بقيادة الرئيس البشير وهي الاتفاقية التي اوقفت أطول حرب في المنطقة دامت (21) عاماً وهي ذات الاتفاقية التي أقرت نصوصها حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان ووفق هذا يختار المواطنون في الجنوب الوحدة أول الإنفصال. ويرى المراقبون أن الرحيل المفاجئ لقرنق قد القى بظلال سالبة على سير تنفيذ اتفاقية السلام وتحقيق مطالبات الوحدة الجادبة، بل حتى على رؤى وبرامج الحركة الشعبية نحو وحدة السودان، فهو رجل كانت لديه مقدرة على توجيه مسار حركة بل ظل محتفظا بخطها السياسي الذي تأتي قضايا وحدة السودان وأفريقيا والمهمشين في اولوياته. والآن لم يبق أكثر من (6) شهور لآخر استحقاق في سير تنفيذ اتفاقية السلام ، فهل سيظل السودان موحداً كما كان يريد زعيم الحركة الشعبية أم سيكون منقسماً ؟ فيما يرى آخرون أنه رغم مرارات الرحيل إلا أن آمال الوحدة ستظل هي الخيار الأفضل والأوحد للشعب السوداني.