شاهد بالفيديو.. "بدران" الدعم السريع يتعرض لأقوى "زنقة" ويحاول التخلص بتحريف منها أحاديث نبوية    شاهد بالفيديو.. تسابيح خاطر تعود بمقطع من قلب الحدث: (الفاشر تحتاج الإغاثة وتحتاج الكثير وأطفالها يعانون سوء التغذية ويبحثون عن الحلوى والبسكويت داخل المستشفى)    شاهد بالفيديو.. تسابيح خاطر تعود بمقطع من قلب الحدث: (الفاشر تحتاج الإغاثة وتحتاج الكثير وأطفالها يعانون سوء التغذية ويبحثون عن الحلوى والبسكويت داخل المستشفى)    الحكومة السودانية تقدم أربع ملاحظات حاسمة على عرض الهدنة إلى الآلية التقنية للمجموعة الرباعية    مرسوم رئاسي يهزّ جنوب السودان..ماذا يجري؟    السجن 15 عاما على مشارك مع قوات التمرد بأم درمان    تحرّك فعّال للتسوية..اجتماع مثير في تركيا حول حرب السودان    أردوغان يعلن العثور على الصندوق الأسود للطائرة المنكوبة    أبياه يستدعي السداسي والخماسي يغادر رواندا    الطاهر ساتي يكتب: أو للتواطؤ ..!!    والي الخرطوم يعلن عن تمديد فترة تخفيض رسوم ترخيص المركبات ورخص القيادة بنسبة 50٪ لمدة أسبوع كامل بالمجمع    اتحاد أصحاب العمل يقترح إنشاء صندوق لتحريك عجلة الاقتصاد    غرق مركب يُودي بحياة 42 مهاجراً بينهم 29 سودانياً    اشتراطات الكاف تجبر المريخ على إزالات حول "القلعة الحمراء"    وزارة الصحة تناقش خطة العام 2026    العلم يكسب الشباب في دورة شهداء الكرامة برفاعة    إكتمال الترتيبات اللوجستية لتأهيل استاد حلفا الجديدة وسط ترقب كبير من الوسط الرياضي    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    كأس العالم.. أسعار "ركن السيارات" تصدم عشاق الكرة    شاهد بالفيديو.. على طريقة "الهوبا".. لاعب سوداني بالدوري المؤهل للممتاز يسجل أغرب هدف في تاريخ كرة القدم والحكم يصدمه    شاهد بالفيديو.. البرهان يوجه رسائل نارية لحميدتي ويصفه بالخائن والمتمرد: (ذكرنا قصة الإبتدائي بتاعت برز الثعلب يوماً.. أقول له سلم نفسك ولن أقتلك وسأترك الأمر للسودانيين وما عندنا تفاوض وسنقاتل 100 سنة)    انتو ما بتعرفوا لتسابيح مبارك    شاهد الفيديو الذي هز مواقع التواصل السودانية.. معلم بولاية الجزيرة يتحرش بتلميذة عمرها 13 عام وأسرة الطالبة تضبط الواقعة بنصب كمين له بوضع كاميرا تراقب ما يحدث    شاهد بالصورة والفيديو.. القائد الميداني بالدعم السريع "يأجوج ومأجوج" يسخر من زميله بالمليشيا ويتهمه بحمل "القمل" على رأسه (انت جاموس قمل ياخ)    شرطة ولاية الخرطوم : الشرطة ستضرب أوكار الجريمة بيد من حديد    عطل في الخط الناقل مروي عطبرة تسبب بانقطاع التيار الكهربائي بولايتين    "فينيسيوس جونيور خط أحمر".. ريال مدريد يُحذر تشابي ألونسو    كُتّاب في "الشارقة للكتاب": الطيب صالح يحتاج إلى قراءة جديدة    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    صفعة البرهان    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فقه السياسيين.. ودستورية عقد النكاح!!!

الجدال ليس حول ورود نصوص تفيد بعدم فرضية الولي في العقد وهذه نصوص متوفرة في مظانها، وإنما الجدال حول حق الذين يذهبون إلى فرضية وجود الولي وفق الاختيار الفقهي الرحيب
القضية فقهية ورد فيها الخلاف والراجح قول الجمهور ولا مصلحة في مخالفته.. والمخالف في هذه القضية الآن لا حجة له في جعلها نصاً دستورياً أولاً
المشرع السوداني لم تغب عن ذهنه النصوص القرآنية والنبوية والفقهية باختلافاتها التي تناولت قضية الولاية، غير أنه خالف المذهب الحنفي وفق رؤية فقهية مقاصدية معتبرة
ولا حجة للمخالف في حمل الناس قسراً على تبني رأيه ، فإن كان رايه فقهاً فهناك من الآراء ما يخالفه وإن كان رأياً يحتمل النقاش فإن المسوغات التي تجعل لولي الأمر عبر مؤسساته الحق في رفع النزاع باعتبار الأصلح هو ما ذهب إليه أهل الفقه عبر العصور
المقصد من وجود الولي اكتمال درجات البناء الاجتماعي الراسخ للأسرة باعتبارها مؤسسة متكاملة ،فهي تشمل دائرة الولاية المساندة للمرأة والمقوية لمركزها التعاقدي ودائرة الشهادة المقوية لملزمات العقو
من العناوين المميزة التي تناولت قضايا الفكر السياسي عامةً والفكر السياسي الإسلامي مؤلف صغير غير أنه مثّل مدخلاً مهماً لتناول هذه القضايا وهو ما أخرجه الدكتور عبد الحميد متولي ، وهو من كبار أساتذة القانون، والكتاب بعنوان (أزمة الفكر السياسي الإسلامي في العصر الحديث مظاهرها -أسبابها علاجها ) وقدم له الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر، وكانت الطبعة الثالثة 1957م
واهتم بالتأسيس الدستوري وفصّل في بناء الأنظمة الدستورية، وقد مرت عشرات السنوات على هذا الكتاب ولم يتغير شيء يذكر في الذهنية السياسية والوظيفة السياسية في دولنا!!!.
وعندما تحدث الدكتور محمد عابد الجابري عن العقل السياسي العربي محدداته وتجلياته، نجده يستدل بقول أحد المفكرين (دويري) وهو يقول إن الظاهرة السياسية لا يؤسسها وعي الناس، آراؤهم وطموحاتهم ولا ما يؤسس هذا الوعي نفسه من علاقات اجتماعية ومصالح طبقية بل إنما نجد دوافعها فيما يُطلق عليه اسم اللاشعور السياسي الذي هو عبارة عن بنية قوامها علاقات مادية . جمعية تمارس على الأفراد والجماعات ضغطاً لا يقاوم، علاقات من نوع العلاقات القبلية العشائرية والعلاقات الطائفية والعلاقات المذهبية والحزبية الضيقة التي تستمد قوتها المادية الضاغطة القسرية مما تقيمه من ترابطات بين الناس تؤطر ما يقوم بينهم بفعل تلك العلاقات نفسها، من نعرة أو تناصُر أو فُرقة وتنافُر وهذه البنية من العلاقات اللاشعورية تبقى قائمة وفاعلة رغم ما قد تتعرض له البنية الفوقية في المجتمع من تغيرات نتيجة التطور الذي يحدث في البنية التحتية المقابلة لها، فهي ليست جزءاً من تلك وبالتالي فهي لا تخضع لها، بل لها وجودها الخاص المستقل عن البنيتين معاً. فالنعرة القبلية العشائرية والتعصب الطائفي والطموح إلى الحصول على مغانم ومصالح، ظواهر تبقى نشطة أو كامنة في كيان الجماعات سواء كان أفرادها يعيشون في مجتمع إقطاعي أو رأسمالي أو اشتراكي لأن اللاشعور السياسي لا شعور جماعي إذ الأمر يتعلق بعلاقات سياسية اجتماعية بين الأفراد وليس بسلوك الفرد، فهو إذن يختلف عن اللاشعور عند علماء التحليل النفسي وقد أورد د. الجابري استدراكه على هذا الرأي- غير أن هذا الرأي يكسبنا فائدة عندما نتحدث عن اللاشعور السياسي بصورة عامة ونحدث مقاربة مع واقعنا، وتأثير العقل السياسي عليه.
إن مشكلة التخلف التي أخرجت العقل السياسي هي المشكلة التي جعلت هذا العقل يمارس من بعد إفساد الحياة السياسية وتخريبها إفساد الحياة الاجتماعية. ذلك أن السياسة مع خطورتها إلا أنها تمارس دون مؤهلات، وكل من ضربته جرثومة العمل السياسي في بلادنا بصورة عامة أصبح أسيراً لها، وعجز عن استرداد عافيته الفكرية والأخلاقية.
ولذلك يستطيع السودان على سبيل المثال إنتاج مئة حزب ويعجز عن إنتاج مفكرٍ واحد أو إخراج فقيهٍ مجتهدٍ وتظل المنصة السياسية هي الأكثر جاذبية من الناحية الاقتصادية والاجتماعية – الثروة والجاه – هذا الخراب يريد السياسيون الآن أن ينقلوه إلى الحياة الاجتماعية من خلال ممارسة التجريب في دائرة القيم والأعراف المستندة إلى الفقه الاجتماعي الأصيل والمتوارث.. والتبس مفهوم الحرية في أذهانهم . ليتحول إلى ضربٍ من الشغب والفعل الساذج .
لم يستطع هؤلاء الساسة أن يصبروا على بناء أحزابهم وتكوين أنساقهم الفكرية ومؤسساتهم القادرة على التعبير والمنافسة وسط المجتمع، وبدلاً من أن ينصب الحديث حول العلاقات السلطوية وبيان العلاقة بين المجتمع وقيادته والعلاقات الحزبية والعهد الدستوري المُنظِم للعلاقات بين الحكومة والمعارضة ورسم المسارات بين السلطة القضائية والتنفيذية والتشريعية وحقوق الولايات وأنظمة حكمها ، والنظر للحرية بمفهومها الكلي والشامل .. تحول الدستور إلى ميدان للشغب السياسي والعبث التشريعي لتختزل الحرية في عقد النكاح وزواج التراضي وكفكفة تأثير الولي وإسقاط الآثار والأعراف والقيم الاجتماعية واعتبار هذه القضية هي أم القضايا والميزان في قياس درجة ومعدل الحرية عند الحكومة وعند المجتمع .
وقد ازدحمت وسائل التواصل والصحف بالمنقولات والمنثورات حول هذه القضية ولا شك أن الجدال الفكري والفقهي يساعد على تنشيط العقل وإكسابه حيوية هو في حاجة إليها غير أن الخوض عبر النقل والاجتزاء والاجترار والتتلمذ على قوقل والفرح ببعض النصوص وبعض الآراء والتصدي للتحليل والتحريم والفتوى وادعاء الإحاطة بالعلوم من كل زواياها، إن هذا الفعل يعادل تماماً من يدخل صيدلية ثم يملؤه الشعور بأنه قد تحول إلى طبيبٍ قادر على إعطاء الدواء ووصف العلاج .
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول "من تطبَّب ولم يُعلم منه طِبٌّ، فهو ضامن"، إن علة الجهل المركب أكثر ما تكون ظهوراً عند السياسيين فهؤلاء في معظمهم تصدروا قبل أن يتعلموا .
وكما قال أبو حيان التوحيدي:
يظن الغمر أن الكتب تهدى... أخاً فهم لإدراك العلوم
وما يدري الجهول بأن فيها... غوامض حيرت عقل الفهيم
إذا رمت العلوم بغير شيخ... ضللت عن الصراط المستقيم
وتلتبس الأمور عليك حتى ... تكون أضل من توما الحكيم
وما ثار في الآونة الأخيرة من مشكلات اتصلت بقضية الدستور وقضاياها وبروز بعض القضايا والتي لا ترقى لأن تصبح نصوصاً دستوريةً، وإنما هي من القضايا التي تناولتها القوانين عبر التأريخ وما زالت، وقد حوى قانون الأسرة أو قانون الأحوال الشخصية كل التفاصيل التي تؤسس للبناء والاستقرار الأسري وقد ظلت الدساتير تحيل في نصوصها إلى القوانين وهذه الإحالة هي التي ترفع الخلاف، لأن القانون يخصص ما عممه الدستور ... وهذه التعميم مقصودٌ منه تحقيق درجة عالية من الاقتراب من القطعيات المجمع عليها – حتى لا يقع الاختلاف في الأصول ثم يأتي التنزيل القانوني من بعد ذلك ليفصّل المجمل ويخصص العام.
والذين قارنوا هذه النصوص بما سبق لم يلتفتوا إلى الإحالة القانونية وهي مهمة في هذا المقام، وهي المدخل لمعالجة هذا اللبس وقطع مسببات الاضطراب.
القضية الأخرى
ما هي مقاصد اعتبار الولي في عقد النكاح وفق رؤية المشرِّع السوداني، والقانون في حقيقته عبارة عن اختيارات فقهية، والمشرع السوداني لم تغب عن ذهنه النصوص القرآنية والنبوية والفقهية باختلافاتها التي تناولت قضية الولاية، غير أن المشرِّع السوداني خالف المذهب الحنفي وفق رؤية فقهية مقاصدية معتبرة.
جمعت بين النص وفقهه – والنظر في الواقع ومشكلاته – والإحاطة بالذرائع فتحاً وإغلاقاً واستيعاب الأعراف السائدة واحترامها.. والنظر إلى منهج التماسك الاجتماعي الذي حفظ السودان وحافظ على تماسكه عندما عصفت به رياح السياسة ورعونة السياسيين.
وكان من أهم المقاصد الفقهية لاعتبار الولي ترجيح رأي الجمهور تأسيساً على النص واستصحاباً لمعانيه ودلالته وممارسة حق الاختيار الفقهي وفق المرجحات العلمية والمعرفية التي ذكرناها , إن تحويل القضية من قضية فقهية إلى قضية جدلية وجعل الأمر مبارزة بالنصوص ثم الاستدلال بالمذهب الحنفي في سياق الحجاج وليس تحرير الرأي الفقهي أمرٌ يعوزه العقل والمنطق وبين ذلك يبدو الحديث عن المساواة وحقوق المرأة وطغيان الرجل مشهيات جدلية لا صلة لها بالموضوع .
وفي بيان الموقف الفقهي للمذهب الحنفي وهو موقع الخلاف يقول الشيخ الإمام برهان الدين أبي الحسن علي بن أبي بكر الميرغناني المتوفى سنة592 باب في الأولياء والأكفاء حيث يقول: (نفذ نكاح الحرّة العاقلة البالغة برضاها؛ وإن لم يعقد عليها وليّ، بكراً كانت أو ثيّباً عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله . وفي ظاهر الرّواية عن أبي يوسف رحمه الله أنه لا ينعقد إلا بولي وعند محمد ينعقد موقوفاً، ثم يقول ووجه الجواز تصرفت في خالص حقها وهي من أهله لكونها عاقلة مميزة، ولهذا كان لها التصرف في المال ولها اختيار الأزواج وإنما يطالب الولي بالتزويج كيلا تنسب إلى الوقاحة، ثم ظاهر الرواية لا فرق بين الكفء وغير الكفء ولكن للولي الاعتراض في غير الكفء وعن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله : أنه لا يجوز في غير الكفء لأنه كم من واقع لا يرفع ويروى رجوع محمد إلى قولهما.
وجاء في ملتقى الأبحر للعلامة الفقيه إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي توفي سنة 956 ه باب الأولياء والأكفاء: نفذ نكاح حرة مكلفة بالأولى وله الاعتراض في غير الكفء وروي الحسن عن الإمام عدم جوازه وعليه فتوى فاضيخان وعند محمد ينعقد موقوفاً ولو من كفء ولا يجبر وليٌ بالغة ولو بكر فإن استأذن الولي البكر فسكتت أو ضحكت أو بكت بلا صوت فهو إذن .....
روي الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه إن كان الزوج كفء لها جاز النكاح وإلا فلا ولمحمد قولان أحدهما أنه ينعقد نكاحها موقوفاً على إذن الولي ويحرم على الزوج الدخول بها حتى يأذن الولي، والآخر أن نكاحها باطل إلا بإذن الولي ولكلٍ وجهه .
لاحظ هذا الاضطراب في المذهب الحنفي عند تحرير الموقف الفقهي فعندما لم يشترط الولي اشترط الكفاءة .. وهل هناك من يحدٍّد الكفاءة غير الولي ؟!!!!!
والخلاصة في ذلك أن القضية قضيةٌ فقهية ورد فيها الخلاف والراجح قول الجمهور ولا مصلحة في مخالفته ..
والمخالف في هذه القضية الآن: لا حجة له في جعلها نصاً دستورياً أولاً.
ولا حجة له في حمل الناس قسراً على تبني رأيه ثانياً، فإن كان رايه فقهاً فهناك من الآراء ما يخالفه وإن كان رأياً يحتمل النقاش فإن المسوغات التي تجعل لولي الأمر عبر مؤسساته الحق في رفع النزاع باعتبار الأصلح هو ما ذهب إليه أهل الفقه عبر العصور.
إن الجدال ليس حول ورود نصوص تفيد بعدم فرضية الولي في العقد وهذه نصوص متوفرة في مظانها، وإنما الجدال حول حق الذين يذهبون إلى فرضية وجود الولي وفق الاختيار الفقهي الرحيب.
ومن أهم المرجحات ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.
ما تعارف عليه أهل السودان وهو من الأعراف التي يعتمدها المشرّع.
النصوص القانونية الضابطة عبر التأريخ .
وجود المفاسد في حالة عدم اعتبار الولي – وتحقق المصالح التي رسخت في وجدان المجتمع عند اعتباره.
إخراج القيم الاجتماعية والضوابط الأخلاقية المؤسسة على النصوص الهادية من دائرة المزايدات السياسية .
ولابد من أن أختم بحديثٍ حول فقه المآلات، وهو أصلٌ معتبر في تنزيل الأحكام الفقهية ونحن نفترض أن المقصد من وجود الولي :
اكتمال درجات البناء الاجتماعي الراسخ للأسرة باعتبارها مؤسسة متكاملة وعلاقة مركبة وليست علاقة بين فردين فهي تشمل دائرة الولاية المساندة للمرأة والمقوية لمركزها التعاقدي ودائرة الشهادة المقوية لملزمات العقود، ودائرة الشهود الجماعي المعززة للشراكة الاجتماعية لاستقبال أسرة جديدة مؤهلة للمساهمة بفعالية في بناء المجتمع، وفي ضوء ذلك نذكِّر بما أورده العلماء حول فقه المآلات .
يعتبر أصل اعتبار المآل ضرباً من الاجتهاد التنزيلي لذلك فلا مناص للمجتهد من النظر إلى ما تؤول إليه الأفعال قبل الحكم عليها لأنه قد ينزل حكماً لمصلحته الحالية الآنية ولم ينظر إلى مفسدته المآلية، والمآلات إنما أُعْتُبِرت لكي تُعالج غلو ما يفضي إليه التطبيق الآلي للنصوص، على ما يندرج تحتها من وقائع جزئية لاتقاء النتائج الضرورية غير المقصودة للشارع، فهذا الأصل ينبني على أن الفعل يشرع لما يترتب عليه من المصالح واقعياً، ويمنع لما يؤدي إليه من المفاسد وأن الناظر إذا بلغ به النظر في المآلات إلى توقع حدوث المصلحة التي شُرع الحكم لأجلها حكم بمشروعية هذا الفعل، وإذا بلغ به اجتهاده أن هذا الفعل في بعض الحالات غير محصل لهذه المصلحة أو كان مع تحصيله لها مُفوتاً لمصلحة أهم أو مُؤدياً إلى حدوث ضرر أكبر منع الناظر منه، وهذا هو منهج الشارع فهو نهى عن المحرمات لإفضائها إلى فساد خارج عنها كالجمع بين الأختين نهى عنه لإفضائه إلى قطيعة الرحم والقطيعة أمر خارج عن النكاح، والخمر والميسر حُرِّما لأن ذلك يفضي إلى الصدِّ عن الصلاة وإيقاع العداوة والبغضاء لذلك كان على المُؤهل للتنزيل أن لا يكتفي بالنظر إلى ما هو واقع وإنما يتطلع إلى المتوقع حتى لا يؤدي ذلك إلى حصول مفسدة أشد من المفسدة التي قصد بالمنع من الفعل درؤها، والدليل على ذلك قوله تعالى (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ) مع أن سب الكافرين حق،غير أن ذلك قد يكون ذريعة لسبِّ الكافرين الله سبحانه وتعالى ، لأن مصلحة تركهم سب الله سبحانه وتعالى راجحة على مصلحة سبِّ آلهتهم .
وفي السنّة قوله صلى الله عليه وسلم (لا تُقْطَعُ الأَيْدِي فِي الغَزْوِ) فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إقامة الحدود بدار الحرب لئلا يكون ذلك ذريعة إلى اللحاق بالكفار .
إن معرفة المآل يمثل أهم جوانب الحيوية في التشريع الإسلامي وسقنا ذلك حتى نخبر فقهاء قوقل أن القضية أوسع من القراءة العابرة والانفعال الوقتي والجدال بالنصوص المجردة دون النفاذ إلى فقهها ومقاصدها .
إن الذهنية السياسية القائمة على حالة اللاشعور السياسي إن حاولت تحويل الاجتماعي إلى سياسي والخوض فيه من منازع التزيُّد والخصومات ولّدت فتناً وصنعت مشكلات غير أن العلماء وبمركزهم الشعبي والاجتماعي ومن خلال مؤسساتهم قادرون على حماية العفاف والحصانة الاجتماعية، ومعلومٌ أن هذا الصراع والعراك لا يأتي بخير .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.